شعار قسم مدونات

ما بعد الألم!

blogs بكاء امرأة

نعيش في الدنيا ونحن مُستترين من وقوع المصائب فوق الرؤوس أخذين بكل الاستعدادات لتأمين القلب من الخيبات والخذلان متناسين أن قدر الله فينا نافذ ولكنه مُحمل بجميل اللطف والجبر.. تقع المصيبة فنشعر أنها النهاية فليس بعدها وقوف وكيف هذا ونحن البشر الضعفاء اللذين لم نتحمّل الأقل من ذلك ونغفل تذكير الله لنا "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا". يُسرع العقل للبحث عن الحكمة والأسباب من وراء الحدث وقد يكون تمام الحكمة في الاستسلام لقول الله "فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" أستطيع أن أستمع لأنات قلوبكم الصغيرة وتوجعها وصراعات عقولكم المتتالية التي لا تهدأ أبداً فنحن بنوا البشر كُتب علينا الحزن كما كُتب علينا الفرح وكُتب علينا الكسر كما كُتب علينا الجبر..

 

أتفكر قليلاً كيف تبدو الحياة إن كنّا مُنغمسين في النعم وكل ما نتمناه ونرجوه نناله بدون غضاضةٍ أو ألم أو جهد حتى في الدعاء ماذا يكون الاختلاف حينها بين الدار الفانية والدار الخالدة..! هل أبثكم سراً بعض النعم يكمن الاستشعار بها والسعادة بمذاقها عند تجربه فقدها اولاً ثم خلف الله بعدها ولكن النفس لا تقبل الفقد وتتعجل تمام النعم والسعادة فلا سبيل إلا بتذكيرها بكلام عالم الغيب "وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، فهذا نبى الله فقد الأب والأم والجد فأخلفه الله بالعم والزوجة الحنون والسند ثم فقدمها فأخلفه الله بالتمكين والنصر والفتح.

 

وهذه أم سلمة مات عنها زوجها وخير رجال الأرض فى عينها فتعصر قلبها الألم وأظلمت الدنيا في عينها وتلفظ لسانها عند تذكيرها بقول "اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها" بقولها: ومن كأبي سلمة!؟ يرفض عقلها قبول ذلك ولكن قلبها استسلم لقضاء الله وقدرة فأجبر العقل وتُردد هذه الكلمات بقلبها وتصدق الله فيصدقها الكريم ويخلفها بخير ولد آدم نبي الله ويُعلِى قدرها وتقر عينها..

 

الأمر يكمن في اليقين.. اليقين بأن الله أحاط بكل شيء علما يعلم حالك الآن وما تشعرِ به وما يجول في فكرك ويعلم ما تطيقِ وما لا تطيقِ ويعلم كيف يجبرك ويخلفك ويقر عينك فقط إن أمنتِ بذلك واستسلمت بتمام الرضى

وهذه أم المؤمنين عائشة يقذفها المنافقون في عرضها وهى أطهر أهل الأرض ويتحدث بذلك من وقعوا في الفتنة وتترك بيت زوجها وحبيبها وتذهب لبيت أبيها والحزن والألم يمزق فؤادها ويأتي إليها حبيبها رسول الله ليذكرها إن كانت فعلت ذلك فلتستغفر وتتوب والله تواب رحيم فيتضاعف ألمها ويُعتصر قلبها وتذرف الدمعات من عينها وتوقن بانقطاع السند من أهل الارض ويلهج قلبها بالاستغاثة بجابر الكسر ونعم الحسب و الوكيل فتتنزل آيات تتلى لتبرئتها من فوق سبع سموات.. أتساءل هل كانت أُمُنا عائشة رضى الله عنها تنتظر نزول قرآن فيها ليبرئها، هل كانت عند اعتصار الألم قلبها تشعر بخلف الله وجبره، هل كانت عند بكائها تشعر بالفرج..!

 

الأمر يكمن في اليقين.. اليقين بأن الله أحاط بكل شيء علما يعلم حالك الآن وما تشعرِ به وما يجول في فكرك ويعلم ما تطيقِ وما لا تطيقِ ويعلم كيف يجبرك ويخلفك ويقر عينك فقط إن أمنتِ بذلك واستسلمت بتمام الرضى والقبول لقضائه وأيقنت أن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن وأن الله على كل شيء قدير.. هل يعنى ذلك أن نتجاهل الألم والحزن ولا نعترف به؟! جَهِل من قال ذلك فقد كفل الله الحزن لنبيه فقال تعالى: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ" وقال تعالى: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون". كما أن نبينا وقدوتنا بكى عند وفاة ولده وأعترف بحزنه قائلاً بعد استرجاعه وتسليم الأمر لربه "وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".

 

ولكن كيف السبيل لتعامل مع الألم وتملك الحزن من القلب:
١- لم أَجِد مثيلا لدواء القلب على النطاق الشخصي أو من تجارب الأصدقاء مثل القرآن معاهدة كتاب الله قال تعالى: "وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ" تكفل الله بذلك فهو السبيل الأول والأهم للمداواة فبين سطوره تجد ضالاتك ويُجلى حزنك ويزيل همك فقط إن تلوته بصدق.
٢- مدارسة باب العقيدة "الإيمان بالقضاء والقدر" والتعرف على الله من خلال أسمائه كالعليم والجبار والوكيل ولَم أَجِد أصدق من كلمات كتاب "لأنك الله" للتعبير عّن ذلك.
٣- المداومة على الذكر قال تعالى: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".
٤- إشغال الوقت واستثماره بما يُرضى الله حتى لا يدخل الفراغ فيُمَّلك منك الشيطان والحزن ويترك العنان للألم يعتصر قلبك والشيطان يتوغل في عقلك فتهلك..
٥- بث الشكوى والحاجة لله أولاً وأخيراً وبناء حالة بينك وبين خالقك من خلال الدعاء والتقرب إليه بالسجود.
   undefined

 

٦- البحث عن شخص أمين صاحب دين وعلم تبث إليه وتستشيريه إن كان لك بذلك حاجة لعل الله ينطقه بكلمات تثبتك وتثلج صدرك ويَشُد به من عضدك.
٧- إدخال السرور على قلوب الآخرين مستحضرين انها تقرب لله بأحب الأعمال إليه.
٨- عمل بعض الأنشطة التي تحبها وتغير من حالتك المزاجية.
٩- لا تتعجل الشفاء أو الخلف ولا تيأس وظن بخالقك خيراً وبعلمه وتدبيره لجميع أمورك "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ".
١٠- أبك كلما شعرت انك بحاجة لذلك ولا ترى ذلك ضعفاً أو عدم إيمان فالبكاء رزق من الله يُنفث به عن قلبك ويداوى به ألمك فلا تبخل عن نفسك بدمعات تهون عليك أو تعبر عن ألمك فنحن بشر وليس أجسام آليه..!
 
١١- تَحَكم في نظرتك للألم فلك أن تقف عنده ولا ترى منه إلا الجزء المؤلم والمظلم فقط ولا تتجاوزه فيتملكك ويكسرك حقا ً ولك أن تنظر له أنه جاء لنحت شخصيتك للأفضل وأنه نقطة بداية للانطلاق للأفضل بعد وقوفك على الدروس والعبر من التجربة ومعرفتك أنه ما زال قلبك ينبض فبيدك وحدك بعد الاستعانة بالله أن تَحيا سعيد أو تعيس فالسعادة قرار..

 
١٢- تمسك بصحبة صالحة تُعينك على الطاعة وتَشُد من أزرك وتُقويك على تخطى ألمك بسهولة ويُسر ولا تمد إليك أصابع الاتهام وجلد الذات أو تجعلك تَحيا في غيابات الذكريات والأوجاع.

وأخيراً فتذكر أن الله يُربى فؤاد المؤمن بالشدائد من الأدنى للأعلى فلكما ذاق شدة هان عليه ما قبلها حتى تصير كل شدائد الدنيا عنده هينة ويتعلق همة بالآخرة، وأن بعض مطبات التي نظن أنها ستقضى على قلوبنا عند المرور من فوقها ما هي إلا محطات لإعادة بناءنا كما أمر الله ..
 
أعلم بأن داخل قلبك الصغير الكثير والكثير ولكن حسبك الرب العظيم فحاشاه أن يردك إلا بجير يليق بجلاله ..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.