شعار قسم مدونات

تاريخية النص الديني

blogs - مكتبة إسلامية

من قبيل بحثي في الإسلام وغوصي في بحار يخشى بعض الناس على أنفسهم الخوض فيها، وإعمال عقولهم داخلها، ارتأيت وبعد بحثي في قضايا حرية الفكر والعقيدة وحقوق المرأة أن أتقدم خطوة نقلية ونوعية بأن أتعرف على "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان". هذه الوثيقة التي أرى أنها أسمى ما وصل إليها العقل الإنساني من خلال خبرته الحياتية الزاخرة بالحروب والمعاهدات وفترات السلام والأنظمة الاستبدادية، والكل في ذلك سواء فلا أنظمة الخلافة الإسلامية كانت إسلامية بحق، ولا الأنظمة الغربية كانت عادلة رغم محاولات وستفاليا وفيينا وفرساي.
 
لكن لدي سؤال. ما يضيرنا نحن البشر لو اجتمعنا على مائدة لنخلق دستوراً أخلاقياً جديداً تنتقل به البشرية نقلة نوعية وتاريخية من عصور الحروب والويلات إلى عصور أكثر سلاماً ووئاماً وننطلق من قوله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾؟. الحجرات: 13. فما أن نشرع بتطبيق هذا الإعلان إلا وتينع تلك الرؤوس التي تنادي بأن لا حكم إلا لله، وأن هذه الدساتير الوضعية هي من صنيع الغرب الملحد الكافر يريدون بها علمنة الدين الإسلامي وانحلال أفراده أخلاقياً، وأن الإسلام لا يحتاج لهاته الدساتير الوضعية كونه صالحاً لكل زمان ومكان، وأنه يجب استعادة الخلافة على أكتاف العالم وكلام من هذا القبيل..
 

حديث حلق الشارب وإعفاء اللحية. كان هذا الأمر من النبي أولاً لمخالفة اليهود وثانياً تماشياً مع ما يمكن أن نسميه الآن اصطلاحياً "الموضة"، فلا يمكن أن نطبقه الآن حرفياً وكأن النبي يشافهنا الآن

الحقيقة أن هؤلاء الذين يرفعون تلك الشعارات الإسلامية يهرفون بما لا يعرفون، وأن هاته النظرية التي يصدحون بها قد خالفهم فيها عمر بن الخطاب حين أوقف سهم المؤلفة قلوبهم مع أن هذا الحق قد كفله الله ﷻ لهم ونص عليه في كتابه الكريم وطبقه الرسول على طلقاء مكة والمسلمين الجدد كصفوان بن أمية. ولكن عمر بذلك قد كسر تلك القاعدة معللاً أن ذلك كان في صدر الإسلام وقد كان آنذاك ضعيفاُ ولكنه الآن قد استعصى وقويت شوكته فلم تعد تلك الآية قابلة للتطبيق في الزمان الحالي مع أن الفارق الزمني بين وفاة الرسول ﷺ وخلافة عمر بسيط جداً لا يتعدى سنوات بسيطة، فكيف تريدون منا أن نُرجع تلك الآيات كلها وكأن الرسول بيننا الآن كآيات الجزية والقتال والرق والعبيد وما إلى ذلك بعد انقضاء 1400 سنة؟!
 
وإن تسألهم ما حكم الرق والعبيد في العصر الحالي يجيبوك بأن هذا محرم قطعاً ولا يجوز مع أن ذلك منصوص في القرآن ولم نجد أي آية أو حديث يحرم ذلك. بل الطامة الكبرى أننا وجدنا حديثاً يكفّر العبد إذا هرب من معبوده، فلماذا انتكستم على أعقابكم ولمم تطبقوا هاته الآيات؟ أليس الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان؟ إذن من حقي الآن أن أسترق وأستعبد من أشاء والآيات في صفي. فإما أن أعمل بالآيات وإما أن أركن إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي قضى على تلك الظاهرة التي لم تستطيعوا إيقافها منذ 1400 عام، ووضع لها الغرب الملحد حداً.
 
ليس ما أقوله هو مدعاة بعدم قدرة الإسلام على إيقاف نظام الرق والعبيد، بل أن تلك الآيات كانت معايشة لوضع معين وزمن معين انتهى بانتهاء ذلك العصر أو بانتهاء ذلك النظام الاجتماعي، ولا يجوز إعادتها وكأننا في القرن الأول الهجري. أفيعقل أن يأتي الله بنص يحرم الزنا وبنص آخر يحرم الخمر أيضاً وهما كانا فاشيان آنذاك بل وادعي في الخمر التدريج إشارة إلى صعوبة تقبل المجتمع لهذا القيد، ثم لا يستطيع بأن ينزل آية تحرم الاسترقاق والاستعباد بحجة أن ذلك كان نظاماً سائداً؟! العجب كل العجب..!!
 
فيجب أن نفهم ما يسمى بــ"تاريخية النص الديني"، وسأعطي مثالاً بحديث حلق الشارب وإعفاء اللحية. كان هذا الأمر من النبي أولاً لمخالفة اليهود وثانياً تماشياً مع ما يمكن أن نسميه الآن اصطلاحياً "الموضة"، فلا يمكن أن نطبقه الآن حرفياً وكأن النبي يشافهنا الآن، ولكن بعض المشايخ يختمون على هاته الفتاوى بحرمة حلق اللحية. حسناً ما رأيكم بحديث الصلاة بالنعل، فقد أمر النبي أصحابه بمخالفة اليهود بعدم الصلاة حفاة، فهل يمكن أن نأمر الناس بأن يصلوا في المساجد بنعلهم الآن؟! لماذا هذا التناقض؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.