شعار قسم مدونات

تحديات طلب العلم في المهجر

blogs طالب
إن ما يعانيه الطالب السوري في بلاد المهجر لا يقل ظلماً واضطهاداً عما يحصل في بلده من قتلٍ وتدميرٍ، وتغييرٍ ديموغرافي وحضاري ومحوٍ للهوية وتجريد لأهلها منها بعد أن سُلبوا من أدنى مقومات الانتماء لبلدهم، فكان ذلك سبباً من أهم أسباب خروج الطالب السوري من بلده، حيث خرج مهاجراً من ظلم أحاط به وموت طارده في أزقة حيه وشوارع مدينته، ليقصد بذلك درب السراب في تحصيل علمه وتأمين مستقبله ورعاية أحلامه التي راودته منذُ نعومة أظفاره، فيصدمه الواقع بتحدياتٍ كبيرة مريرة تحول بينه وبين وصولَه إلى مبتغاه، منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي يتعلق بهويته كسوري مضطهد أُخرِج من بلده قهراً وظلماً، وأرغمته الهجرة القسرية على وضع مستقبله في غياهب طريق لا يعلم منتهاه.

 
إن الطالب السوري عندما تضيع حقوقه كطالب في بلد اللجوء ويكون من الصعب دخوله إلى الجامعات الحكومية إن لم يكن مستحيلا ً أو أشبه بالمستحيل، فلا شك ولا ريب بأنه لن يجد أمامه سوى الجامعات الحرة التي ولدت من رحم الثورة، حيث إنه يلتحق بإحدى هذه المؤسسات التي بناها أهل العلم وأربابه بغرض تحييد هذه الطبقة من الشباب عن جوِّ الحرب والعنف؛ وخوفاً عليهم من الانخراط في مجتمعات غريبة لا تمت لثقافتهم بصلة أو أن يصبحوا لقمة سائغة بيد الجهل والتخلف، ومع هذا كله وصدق نية من أنشأ هذه الجامعات لا بد من الوقوف على بعض النقاط المهمة التي تندرج ضمناً في صلب هذا الموضوع، ألا وهي مسألة الاعتماد الحكومي للشهادة التي تصدر عن هذه الجامعات الناشئة، وإنه لموضوع غاية في الأهمية لكونه تعباً تقطَّر من دم الطالب ووقته وعمره.

 

كانت ثورة السوريين ترنو لنهضة حضارية وعلمية وسياسية، ولعل صمود الجامعات الحرة أمام كل هذه التحديات خير مثال يؤيد الهدف الأساسي والرئيس من قيام الثورة، ولابد من متابعة الطريق للاعتراف بها

إضافة إلى نفقات الدراسة التي تثقل كاهله وتدفعه لتحملِ عبء الموازنة بين متطلبات العمل وواجبات الدراسة، مما يجعله مثقل الهم مرهق الروح حزين القلب مما هو فيه، وهذا كله ينعكس سلباً على تحصيله الدراسي ويفقده روح الشباب التي غادرت ملامحه، وهو أحوج ما يكون إليها في هذه الفترة من حياته، وخير مثال على ذلك هم الطلاب السوريون في تركيا الذين أجبرتهم ظروف الحرب على الإقامة فيها، ومتابعة تعليمهم العالي في المؤسسات الحرة التي أقيمت هناك وهم مجبرون بأن يوفقوا بين الدراسة والعمل ليستطيعوا إكمال حياتهم كبقية الناس، فالطالب في تركيا يعيش خوف المستقبل المجهول من شهادة لا يعترف عليها أحد وقلق الاستقرار المهني وخوف تأمين متطلبات الحياة.
 
نظراً للحال التي يعيشها الطالب السوري أردت ان ألفت النظر إلى هذه القضية التي أغفلها جلّ الكتاب مع أنها غاية في الأهمية، ولم يطرق لها باب في ظل ست سنوات ماضية، وهذا ما أسميه إن صح التعبير الجانب المغلق من ملف معاناة الشعب السوري، فنحن لسنا أمام كارثة قتل وتدمير للبنية السكانية والعمرانية فحسب بل نحن أمام مأساة بشرية وأكبر المتضررين منها هم فئة الشباب، الذين هم عصب هذه الأمة ونبض قوتها، ليأتي في نهاية المطاف مرمياً على هامش بيئة العمل؛ بذريعة أن الشهادة التي يحملها لم تصدر عن جهة رسمية قانونية تثبت نفسها وتبرهن على أحقية حاملها بالعمل عن طريقها، وعلى هذا وشاكلته فإن معضلة الاعتراف الرسمي بمؤسسات التعليم العالي الحرة، كانت ولا تزال هي العقبة في طريق متابعة التعليم للطلبة السوريين.
 
ولما كان الوضع كما ذكرت آنفا فإنه من الجدير بنا إثبات الشخصية القانونية لهذه الصروح، التي بنيت من العدم في ظل فقر الإمكانيات المادية وغنى المؤهلات الأكاديمية، ليثبت هذا الشعب للعالم أجمع بأن ثورته لم تكن غايتها تلقي فتات الشعوب من إغاثات مادية وغيرها وكأن ما جرى كارثة طبيعية، بل كانت ثورة ترنو لنهضة حضارية وعلمية وسياسية، ولعل صمود الجامعات الحرة أمام كل هذه التحديات خير مثال يؤيد الهدف الأساسي والرئيس من قيام الثورة، ولابد من متابعة الطريق للاعتراف بها؛ لتأخذ دورها كجامعات تقدم لطلابها ما يريدونه منها ويقدمون لها ما تريده منه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.