شعار قسم مدونات

لم يعُد لبنان كما كان!

مدونات - البرلمان اللبناني
تصل إلى مطار بيروت وقد تغير كل شيء. لبنان لم يعُد كما كان. الرايات السوداء والصفراء في كل مكان، في كل شارع، في كل حي من ضواحي بيروت. تستقبلك صورة صاحب العمامة السوداء واللحية الكثّة، تنظر إليك وتحدق بك بابتسامة خفيفة وكأنه يستهزئ ويلاحقك، أهلاً وسهلاً بك في ولاية لبنان الإيرانية.

 

أيام قليلة تفصلنا عن انتخابات نيابية، بعد عقد كامل من التمديد، بسبب الأزمات والحرب التي عصفت على الأراضي السورية. والعجيب في الأمر أن وزير الداخلية، المُرشح للانتخابات كذلك، صرّح وهو يتفاخر بإنجازاته الأمنية، أن الانتخابات ستجري في موعدها حتى لو أن هزّة إقليمية حدثت في سوريا بعد وقع التهديدات الأميركية للنظام السوري الكيماوي! إذاً، لماذا مدّد المجلس الحالي ولايته لثلاث مرات منذ انتخابه عام ٢٠٠٩؟!

 

يُقال أن الانتخابات النيابية المقبلة سترسم معالم السنوات الأربع المقبلة سياسياً لناحية شكل التوازنات بين مختلف الفرقاء! علماً أن الحاكم الفعلي للولاية، لا يأبه للأرقام وثِقل كل تيار أو حزب أو جبهة، فالأمر أمره ولا يستطيع أحد مواجهته، وإلا سيضطر لاستخدام سلاحه المعتاد "الاغتيال السياسي". استطاعت جبهة ١٤ أذار أن تزرع ثقل نيابي في انتخابات ٢٠٠٥ و٢٠٠٩ بدعم شعبي واسع، ولكن دون أن تحصد شيء يُذكر. فالسلاح يحكم، والبوّاب يستطيع إقفال أي مؤسسة يمكنها بالعملية الديمقراطية أن تسير عكس ما يشتهيه الحاكم.

 

الحاكم يرى في الطائفة السنية امتداد لعدُوِّه اللدود الشعب السوري، والسبب أنه ينظر بعين طائفية؛ فهو الذي دافع عن "ثورات" (وهي ليست كذلك بالطبع) البحرين وشرقي السعودية والحوثية.

ضحايا هذا الحاكم لا يُستثنى منه أحد. وعندما نريد تفصيل الواقع في لبنان، نضطر للغوص في بحر الطائفية الهائج، والتي فرضت المعادلات الإقليمية والدولية أن تبقى السُفُن فيه راسية على الموانئ، ويُمنع على أي سفينة أن تأخذ وضعية المقاتل.

 

الطائفة الشيعية أول ضحايا الحاكم، كل من ينتسب إليها يرضخ لـ"العمامة السوداء" وما تُمثِّل، ويوالي "اللحية الكثّة" نائب عن الفقيه، ليرى في حربه ضد الشعب السوري هو السلام، والعبودية لـ "ولاية الفقيه" هي الحرية، والجهل بالمستقبل الذي يقودهم إليه هي القوّة. صغارهم لا يملكون روح الثورة على الحزب، فهم يتمرسون العبودية منذ انخراطهم في كشّافة "المهدي"، ليكبروا على نشيد "لبيك يا نصر الله". وإذا أردت التغيير، أو التطلع للتغيير، أو لمجرد أن تحلم بالتغيير، فإن التُهمة جاهزة "خائن عميل لإسرائيل".

 

الطائفة المسيحية أيضاً من ضحاياه. الثورة السورية أنقذت الحاكم من الوحدوية والانعزالية، وقدّم نفسه لـ"المسيحيين" كحامي الحمى الجَسور الذي لا يقهر، وكأنه طود عظيم يقف في وجه جحافل "الإرهابيين" القادمين من الشرق، فأصبحوا يروا فيه "المُخلِّص"! الحاكم صادر ذاكرتهم وأفكارهم، فاختلط بهم الأمر، وأصبح الشيطان "داعش"، أما "حزب الله" بسلاحه الميليشياوي هو منقذهم من براثن الشيطان! أيها القارئ، لم أُخطِئ بالاتجاهات، العدو من الشرق، فالجنوب لم يعد جبهة لحاملي راية "الموت لإسرائيل"، فقد أصبح طريق القدس يمر على أشلاء السوريين، من القلمون إلى حلب إلى حماه إلى دوما إلى حمص، لينفذوا وعد "ولي الفقيه": اربطوا نقاط نفوذ ملالي طهران، من بلاد فارس إلى البحر المتوسط.

 

الطائفة السُنّية ليست من ضحاياه فقط، بل المُستهدفة. الحاكم يرى فيها امتداد لعدُوِّه اللدود الشعب السوري، والسبب أنه ينظر بعين طائفية؛ فهو الذي دافع عن "ثورات" (وهي ليست كذلك بالطبع) البحرين وشرقي السعودية والحوثية، بينما انكفأ عن مناصرتها في العراق وسورية! استطاع الحاكم بحنكته "الفارسية"، أن يزرع الشِقاق في قلب هذه الطائفة. فرض عليهم "عدو اللحظة الراهنة"، إنه "الإرهاب"، فأصبح كبراء الطائفة يتنافسون فيما بينهم على شعار "أنا أكثر منك اعتدالاً"، حتى وصل بهم الأمر تصديق الأكذوبة لتصبح حقيقة، فمنهم من انخرط تحت جند الحاكم، يدري أم لا يدري، ومنهم من ينتظر! شباب الطائفة في السجون أو مُلاحقون. مُتّهمون بجرائم فكر، لمجرد مناصرتهم للثورة السورية، أم يطالبون بالرفق والعدل بين الرَعيّة.

 

كانت قبضة الحاكم ميليشياوية، بسلاح "مُشرعن"، ويتطلع اليوم بقانون انتخاب على قياسه، أن يستحوذ على "المشروعية" فضلاً عن "القوة" التي يملكها، فيفرض نظاماً شمولياً، يُصبح فيه الشعب لبناني ويُمسي إيراني، ويُمسي الشعب لبناني ويُصبِح إيراني، يبيع وطنيته بِعرض من الوعود قليل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.