شعار قسم مدونات

مؤمن آل فرعون.. رجل الدعوة

BLOGS رجل يصلي

"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً".. كان هذا إعلان من الله عز وجل إلى الملائكة إيذاناً بخلق هذا الإنسان الذي سيحمل الرسالة والأمانة محققاً إرادة الله عز وجل في الأرض من الإصلاح، والإعمار، والهداية.. منفذاً تعاليم الله عز وجل التي أرسل بها الرسل، هذا المنهاج الواضح الذي إذا سار عليه هذا المخلوق لن نجد على الأرض "مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ".. ولأنها دنيا ولأنه إنسان ينشغل بنفسه وشهواته عن الرسالة التي خلقه الله من أجلها كان هذا التذكير من الله عن رجل مؤمن عرف مهمته ودوره في الحياة -هداية الناس وإرشادهم للمنهج الصحيح الذي تصلح به الدنيا والآخرة- فكان تخليداً له بذكره في القرآن، وإرشاداً لنا أن نسلك هذه المسلك القويم في الدعوة إلى الله ونصرة الحق.

"رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ.. يَكْتُمُ إِيمَانَهُ".. هكذا وصف القرآن هذا الداعية الجسور، فهو رجل ليس بالنوع ولكن بالقوة النفسية والحجة البالغة والعزيمة الصادقة والشجاعة الجلية، مؤمن صحيح الإيمان دفعه إيمانه لحماية نبي الله والوقوف أمام الطاغية.. حتى وإن كتم إيمانه في وقت من الأوقات حفاظاً على نفسه ودينه أو مخترقاً لقلوبهم مزعزعاً لأفكارهم، إلا أنه لم يتقوقع حول ذاته وحول خوفه.. فعندما جد الجد وهم فرعون بقتل موسى بقوله "ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ" انتفض مؤدياً أمانته، حاملاً رسالته بالحجة والبرهان والموعظة الحسنة، و ربما يحتاج الداعية في وقت من الأوقات أن يكتم دعوته أو نهيه عن المنكر لعدم استطاعته لتغييره إلا أن لا يتنازل عن الحد الأدنى من ذلك وهو رفض هذا البغي والظلم بالقلب وأن لا يكون إمعة يظلم مع الظالمين ويحسن مع المحسنين حتى إذا سنحت الفرصة وجاء وقت الصدع بالحق يتكلم إيمانه قبل لسانه فتخرج الكلمات مخترقة القلوب. تنقل الداعية المؤمن مع قومه مرشداً وموجهاً لهم، متخذاً أساليب عدة في الإقناع وتغيير الأفهام مخاطبا عقولهم تارة وقلوبهم تارة أخرى..

ومن هذه الأساليب:

الدعوة إلى الله عز وجل لهي من تمام الإيمان، والقيام بها في زمن الطغاة من صفات الرجال الذين يحبون الله ويحبهم

1- الحوار.. وهي الأداة الأساسية للتفاهم وتغيير القناعات فهو مع الإخلاص والتجرد يحفز العقل على القيام بمهمته بالتفكير والنقد والتأمل وبيان وجوه عدة للمسألة، فاستخدم معهم التشكيك أحياناً والتحييد في مواقف أخرى وبيان جدوى إتباعهم لفرعون من عدمه وبهذا يزلزل قلوبهم وأفكارهم ثم ينتقل إلى وسائل أخرى مكملة للمهمة.

2- ضرب الأمثلة لأقوام كذبوا رسلهم وحاربوهم رغم أنهم كانوا يدعونهم إلى الهدى والرشاد، ولكن هؤلاء الأقوام اتبعوا كبرائهم فأغووهم فأهلكهم الله، أنذرهم مؤمن آل فرعون من سوء العاقبة ودلهم إلى الابتعاد عن تكذيب الرسل ومحاربتهم خوفاً عليهم وانقاذاً لأنفسهم.

3- التودد واللين وذلك في مخاطبته لهم بقوله "يا قوم.. " والتي تكررت خمس مرات، فإن كان الحوار وضرب الأمثلة هما المدخل العقلي فإن التودد واللين هما مدخل القلب ومفتاحه، لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ".. فمهمتنا كدعاة هي أن نفتح القلوب لا أن نغلقها.. فننسى ونصفح ونتنازل عن بعض حقوقنا في سبيل كسب القلوب فهو أولى من كسب المواقف كما يقال.

4- التحفيز والتشويق أنهم إذا أطاعوه واتبعوا طريق النجاة التي يدعوهم إليه من عبادة الله وحده واتباع نبي الله فإن جزاؤهم الجنة وهي النعيم الخالد ودار القرار والفوز العظيم.

انتهى الرجل المؤمن من دعوته للناس ومجادلتهم بالحق مفوضاً أمره لله، متمنياً لهم النجاة والخير، لم يكن فحاشاً ولا داعياً عليهم.. مكروا به فوقاه الله وكادوا له فحفظه الله. وإن الدعوة إلى الله عز وجل لهي من تمام الإيمان، والقيام بها في زمن الطغاة من صفات الرجال الذين يحبون الله ويحبهم.. الذين يحققون مراد الله في إصلاح البشرية وهدايتها ومنع الإفساد المادي والمعنوي في هذه الأرض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.