شعار قسم مدونات

العمل التطوعي.. الثقافة المفقودة

blogs الدفاع المدني السوري

العمل التطوعي هو ثقافة اجتماعية صحية ضاربة الجذور في المجتمعات الغربية، ولا نرى بلداً أوروبياً على سبيل المثال لا الحصر لا يخلو من منظمات المجتمع المدني التي تساهم في إغناء وتطور المجتمع، وتكون حليفا قويا لا يستهان به مع نظام الحكم السائد في البلاد، بل يتعدى تأثير المجتمع المدني ليصل لتغيير سياسات الدولة في كثير من الأحيان، لإن حيوية المجتمع المدني تستمد من الأفراد الذين يغنون العمل التطوعي، فيتشكلون مع بعضهم لبنة المجتمع السليم.

بعد تردي الأوضاع الأمنية في سوريا ازدادت موجات النزوح إلى أوروبا بشكل كبير عام 2015، فكانت المنظمات التطوعية بكل دول البلقان مسار المهاجرين المفتوح أنذاك عاملاً كبيرا لصمود المجموعات المهاجرة في إكمال مسيرها نحو أهدافها في الدول الأوروبية، فكانت الأغطية والطعام والخدمات الطبية كفيلة لدرء المهاجرين من الهلاك، وكانت المنظمات تعمل بروح واحدة ولهدف واحد، وكانت الخبرة الميدانية واضحة في تعامل النشطاء مع الأعداد الضخمة من اللاجئين.

العمل التطوعي في سوريا:
شراسة الحرب في سوريا كانت سبب في تبلور العمل التطوعي الحقيقي، وأكسبت السكان في المناطق الملتهبة خبرة ميدانية كبيرة في التعامل مع البنى التحتية المدمرة أثناء إنقاذ المدنيين

العمل التطوعي في سوريا مغيب بشكل شبه كامل منذ عشرات السنين، إذا أستثنينا بعض الحالات التي أفلتت من القبضة الأمنية إلى حد ما كمنظمة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، فإن مراد نجاحها لإن تنظيم عملها ونظام العمل مستمد من نظام دولي تابع للأمم المتحدة .تخضع التجمعات الاجتماعية للرقابة الأمنية الشديدة في البلاد العربية، وقد عمدت تلك الأجهزة الأمنية لتهميش دور الجماعة في التغيير وأذكت روح الفردية.

وقد عمدت إلى سحق كل المبادرات الجماعية، لإدراك الأنظمة القمعية أن تحالف أفراد المجتمع يشكل خطرا على بقاء تلك الأنظمة، فالعمل الجماعي يوفر مصالح متبادلة بين أفراد المجتمع في الرفاه العلمي والاقتصادي. وفي حال تمرير مبادرة طوعية كانت تأطر بإطارها الحزبي أو الديني، بهدف السيطرة الكاملة. ولا توفر فرصة في إقصاء الشعب عن الرأي العام للتحكم بمقدرات الدولة والتي هي من حق الجميع.

الخوذ البيض:

شراسة الحرب في سوريا كانت سبب في تبلور العمل التطوعي الحقيقي، وأكسبت السكان في المناطق الملتهبة خبرة ميدانية كبيرة في التعامل مع البنى التحتية المدمرة أثناء إنقاذ المدنيين، وكانوا فاعلين في تخفيف الخسائر البشرية. والخوذ البيض هي نتاج خبرات أفراد تطورت مع اتساع الحرب في سوريا، وهي تراكم معارف ميدانية – إن صح التعبير- بحقيقة الوضع المأسوي في مناطق عديدة من سوريا، وأصبح التعامل الخبير مع صنوف الأسلحة التي تستخدم في قصف المدنيين ضروريا، وهذا أتقنه أفراد الخوذ البيض.

ونجاح عملهم جاء بسبب القناعات الحقيقية بأهمية مثل هذا العمل والتفكير بالمجتمع كجزء طبيعيي للدولة وكامتداد للتفكير بالذات وهي ثقافة حُرم منها السوريون في بلدهم، حيث اقتصر دور الشعب كمصفق للقرارات الحكومية الرشيدة، ومتلقي لأوامر أصحاب السلطة والنفوذ والذين يحملون بواطن طائفية. وهم يعتبرون -أي الخوذ البيض- أن الجماعة هي امتداد طبيعي للفرد وتكاد لا تنفصل روح الفرد عن الجماعة، والجميع يتعاون في سبيل الجميع.

 

علينا -نحن الأفراد - أن نأخذ دورنا الحقيقي في المجتمعات لأننا وقود الأمة ونحن مصدر حضارتها، علينا أن نمنح الثقة والحب بلا مقابل
علينا -نحن الأفراد – أن نأخذ دورنا الحقيقي في المجتمعات لأننا وقود الأمة ونحن مصدر حضارتها، علينا أن نمنح الثقة والحب بلا مقابل
 
العمل التطوعي السوري في المهجر

وجود فراغ كبير بسبب الانتظار الطويل في استكمال إجراءات الإقامة في الدول الأوروبية كان دافعاً أولياً لتشكل بعض المحاولات في العمل التطوعي، إلا أنها لم تتطور لتكون مبادرة حقيقية لها تأثيرها على المجتمع الجديد، وأغلب هذه المبادرات الخجولة ضاعت بسبب عدم الدراية الحقيقية في المعنى الجوهري للعمل التطوعي، بل تعدى الأمر وخاصة في ألمانيا، في استخدام تلك المبادرات بهدف الربح المادي لبعض أفرادها، وربما حب الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي كان سبباً في إطفاء روح الفردية على الجماعية، بمعنى آخر كانت تلك الأفكار العبثية نابعة من روح فردية، ولأننا نفتقر جدا لثقافة العمل التطوعي.

ما أود قوله عندما تنعدم الثقة المتبادلة، فلا فائدة من إنشاء معمل أو شركة، وما الفائدة استعمال المسكنات بينما العلاج موجوداً. فعلينا -نحن الأفراد – أن نأخذ دورنا الحقيقي في المجتمعات لأننا وقود الأمة ونحن مصدر حضارتها، علينا أن نمنح الثقة والحب بلا مقابل، لأن الحب هو سر من أسرار الإنسان الذي زرعه الله في بني البشر. يقول تعالى في كتابه الكريم: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.