شعار قسم مدونات

هل نجحت مسيرة العودة الفلسطينية؟

blogs مسيرة العودة

نظر الكثيرون لفكرة مسيرة العودة السلمية منذ ولادتها على أنها فكرة مثالية خيالية، ولن يكون لها رصيد على أرض الواقع بحكم تعقيدات الوضع الفلسطيني الداخلي والعربي والإقليمي والدولي، ومع مرور الوقت بدأت هذه الفكرة تلقى رواجاً شعبياً ورسمياً كبيراً داخل فلسطين وخارجها، خاصة في ظل الحديث عن صفقة القرن، وما تحمله من رغبات بإنهاء قضية اللاجئين، واغلاق ملف حق العودة وابعاده عن دائرة التفاوض.

كيف نظر الاحتلال لمسيرة العودة السلمية؟

بدأ جليا أن الاحتلال يعاني من ضيق الخيارات في التعامل مع المسيرات، فلو أطلق النار سيلقى عتابا دوليا، ولو صمت قد يحدث ما لا يكون في صالحه، فبدأ يروج عبر إعلامه وخاصة الناطق باسم الجيش الصهيوني أفيخاي أدرعي الذي استعان بفتاوى علماء من بلاد الحرمين يؤكدون فيها أن المسيرات والاعتصامات أمور الكفار وفوضى وليست من الإسلام في شيء، ولا عُرفت في التاريخ الإسلامي، وأنها شر لأنها تؤدي إلى الفوضى، محاولاً اقناع أهل غزة بأن حماس تلقي بهم الى التهلكة لتحقيق مصالح خاصة.

وبث الكثير من الأخبار والإشاعات بأن حماس هي من تقف خلف هذه المسيرات، وهذه اتهامات تهدف من جملة ما تهدف إليه:
* تشكيك بعض الفلسطينيين بعدم المشاركة بحكم أن حماس هي من تقود الحراك وتدعمه.
* إفراغ المسيرات من المضمون الإنساني على اعتبار أن حماس مصنفة تنظيم إرهابي لدى دولٍ كثيرة ومنها عربية.
*  إظهار أن حماس لا زالت تسيطر على غزة، وأنه ليس لعباس أي دور فيها.

رسمت مسيرات العودة المشهد الحقيقي لطبيعة شعبنا بكل ألوانه السياسية وقواه وفعالياته حيث اجتمع الجميع على القضايا الوطنية المصيرية، وعلى رأسها قضية الأرض التي تشكل لنا جزء من العقيدة

وما أن جاء موعد يوم الأرض حتى تحرك الحب الفطري للوطن في قلوب الجماهير الفلسطينية فخرجت إلى حيث الساحات المقررة رجالا ونساءا كبارا وصغارا، ليؤكدوا أن بلادنا أغلى من أرواحنا، وأن حقنا في العودة هو حق مقدس.

وكان لي شرف المشاركة في مسيرة العودة مع جماهير الشعب وانتابني شعور ممزوج بالفخر والأسى، الفخر بأني رأيت جموع الجماهير تزحف رافعة علم فلسطين وتحمل يافطات (عائدون) رغم صعوبة تفاصيل الحياة وتغلغل الحصار في كل مناحيها، وأشعر بالأسى لأني لا أستطيع الاقتراب من قريتي التي هُجّر منها أهلي رغماً عنهم واستوطنها الأغراب، بلا أي مسوغ ديني أو قانوني أو أخلاقي، لأني لا أستطيع التمتع بشمسها ولا بحقولها التي تفيض بالعشب الأخضر وبساتين شاسعة يستمتع بها العدو، بينما يطلق رصاصه على عيني كي لا أراها، وهنا تساءلت في نفسي كما أمير الشعراء أحمد شوقي (أحرام على بلابـله الدوح حلال للطير من كل جنس؟)

قد يتساءل سائل هل اجتاز اللاجئون الحدود وعادوا لقراهم؟ قامت فكرة مسيرة العودة السلمية على الاعتصام في مكان قريب من الحدود بـ 700 متر تقريبا، ونصب الخيام وتنظيم أنشطة وفعاليات لحشد الإعلام العالمي وإعادة وضع القضية الفلسطينية وخاصة اللاجئين على سلم الأولويات، ويجب ألا يغب عن بال أي أحد، أن القائمين على فكرة مسيرة العودة السلمية ليسوا بهذه السذاجة، بأن يظنوا أن هذه الجماهير ستدخل إلى فلسطين المحتلة، فهذا صعب، نظرا لامتلاكه أسلحة فتاكة وقوية، ومن باب الواقعية فإن مسيرة العودة لن تقضي لوحدها على دولة الاحتلال، لكن نظرا لأن النضال هو عملية تراكمية، فإن الشعب الذي يرزخ تحت الاحتلال، يبدع أساليب مقاومة تناسب ظروفه الداخلية وظروف المحيط، كي يحقق أفضل المكاسب، وأظن أن مسيرة العودة هي أسلوب يتناغم كثيرا من مواد قانونية وحقوقية أقرتها مؤسسات دولية. وعن (هل نجحت مسيرة العودة في تحقيق أهدافها؟) لو أردنا الإجابة على سؤال (هل نجحت مسيرة العودة؟) فلا شك أنها نجحت:

أولاً: على المستوى الداخلي:

* رسمت المشهد الحقيقي لطبيعة شعبنا بكل ألوانه السياسية وقواه وفعالياته حيث اجتمع الجميع على القضايا الوطنية المصيرية، وعلى رأسها قضية الأرض التي تشكل لنا جزء من العقيدة، لنؤكد للعالم بأننا، وإن اختلفنا وتهنا في دهاليز القضايا الصغيرة البسيطة، فإننا نقف سداً منيعاً كالبنيان المرصوص حين يُراد لنا الموت والاندثار، خاصة في ظل هذه الأجواء الملبدة بغيوم الدمار والعبث بحقوقنا.

* لاحظت وجود ومشاركة فعالة من كل الفئات الكبار والصغار، وهذا يدحض نظرية أول رئيس للوزراء بإسرائيل ديفيد بن غوريون "الكبار يموتون والصغار ينسون". 

ثانياً: على المستوى العربي:

* خلقت نوع من الحراك السياسي عربيا ودوليا بضرورة إعادة النظر اتجاه غزة وما تعانيه من حصار، ومنددة بالقوة الصهيونية تجاه المتظاهرين العزل السلميين.

* بروز أصوات شعبية بمختلف التوجهات بضرورة رفع الحصار عن غزة وضرورة معاقبة الكيان الصهيوني.

إن يوم الأرض يجب أن يبقى يوماً يجسد حقنا في أرضنا قولاً وفعلاً، وعلينا أن نغرس في الأرض أشجار لتبقى شاهدة على أحقيتنا بها
إن يوم الأرض يجب أن يبقى يوماً يجسد حقنا في أرضنا قولاً وفعلاً، وعلينا أن نغرس في الأرض أشجار لتبقى شاهدة على أحقيتنا بها
 
ثالثاً: على المستوى الصهيوني:

* خلقت نوعا من الاختلاف الواضح بين مكونات دولة الاحتلال على مستوى المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية عن كيفية مواجهة هذه المسيرة؟

* ظهر التناقض جليا وواضحاً بين الكتاب والصحفيين والمفكرين والأكاديميين الصهاينة بين مؤد ومعارض، حتى أن الصحفي في إذاعة الجيش الإسرائيلي "كوبي ميدان" قال (اليوم أنا أشعر بالخجل من أن أكون إسرائيليا"، والبرفسور الإسرائيلي شاؤول مشعالي قال "إن حماس تهتم بالرأي العام وظهر ذلك في مسيرة العودة".

* زعيمة حزب ميرتس "تمار زاندبرج" قالت: "من حق الفلسطينيين التظاهر وأدعو الجيش التوقف عن إيذاء الأبرياء".  كما أن الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، ناحوم بانيع: "ليس لنا أن نلومهم على كراهيتهم الشديدة لنا، فهم يسكنون في مخيمات اللاجئين في غزة ونحن وأمام ناظريهم نسكن ونعمر مزارعهم وبيوتهم وبيوت آبائهم التي أخرجناهم منها بالقوة".

رابعاً: على المستوى الدولي:

* نجحت في خلق حالة من التناقض في الدول والمؤسسات التي تدعو للسلمية ما بين شعاراتها ومواقفها، خاصة مجلس الأمن الذي فشل في إصدار بيان يدين العنف الصهيوني.

* نجحت في إثارة الرأي القانوني والحقوقي سواء أفراد أو مؤسسات حيث أن الكثير أدان استخدام قوات الاحتلال للعنف ضد متظاهرين مدنيين.

* نجحت في إعادة القضية الفلسطينية وخاصة حصار غزة إلى الواجهة في ظل تراجعها بفعل عوامل فلسطينية داخلية.

إن يوم الأرض يجب أن يبقى يوماً يجسد حقنا في أرضنا قولاً وفعلاً، وعلينا أن نغرس في الأرض أشجار لتبقى شاهدة على أحقيتنا بها، وأن نغرس في نفوس أولادنا أن الأرض ليست للبيع أو للمساومة، وأن الأرض كما الأم يجب أن نلبي ندائها حين تنادي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.