شعار قسم مدونات

إعلام البروباغندا والتطبيل.. كيف يؤثر على بناء الإعلاميين الجدد؟

مدونات - إعلام صحفي مصور

يعيش الإعلام العربي اليوم مرحلة يصعب شرحها كصعوبة تحليلها وتفسيرها.. فقد اختلط فيها كل شيء.. البروباغندا الحمقاء بالبروباغندا المقبولة.. الإيدولوجيا بالقواعد الصحفية.. الخبر الصحفي بالرأي والتعليق، فأصبحنا نجد رأي الصحيفة والمؤسسة داخل الخبر الصحفي الذي كان مقدسا.. كما علمنا أساتذة الإعلام ذات يوم حين كنا طلابا بمعاهد الصحافة. وأصبح كل من هب ودب يدخل إلى مجال الإعلام.. مهمته فقط نقل الرسالة التي تريد قناته وصحيفته أو مؤسسة إيصالها للجمهور وحتى ولو كان بشكل خاطئ وبمعلومات مغلوطة.. الأهم أن يعبر أن البروباغندا التي تموله وتدعمه. فوجئنا بجيل جديد من الإعلاميين لا يميز بين الخبر الصحفي ومقال الرأي.. بين التعليق على الخبر وإيصال الخبر.
   
بل ولا يهتم أصلا بعناصر الخبر المعروفة مسبقا: من وماذا وأين ومتى ولماذا.. فما بالك باهتمامه وتثبته من الخبر أو من المعلومة.. المعلومة في فهمه تنقل فقط حتى ولو كانت خاطئة هي تمثل البروباغندا التي يعمل من أجلها وعليه نشرها فقط .فوجئنا بجيل جديد من الإعلاميين يعمل على قاعدة اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.. وحتى لو لم يصدقوك المهم أن يصدقك من يدفع الأجر لك .إنه إعلام مأجور وجيل جديد حول الإعلام إلى شركات تجارية والمواضيع الصحفية والأحداث إلى بضاعات يبيعونها بثمن بخس في أسواقهم .. فمهمتهم فقط حصر الجمهور في زاوية معينة.

 

في كتابه الرائع "السيطرة على الإعلام – الإنجازات الهائلة للبروباغندا" يرى العالم نعوم تشومسكي أن لوسائل الإعلام دور كبير في تضليل الجماهير وتغييبهم عقولهم لتحقيق أغراض إيدولوجية وسياسية

في ستيتنات القرن الماضي خرج عالم الاتصال ولتر ليبمان في كتابه "الرأي العام" الذي لا يزال يدرس إلى يومنا هذا.. بنظرة مختلفة عن وسائل الإعلام حين تحدث: عن الصورة الذهنية التي تبنيها وسائل الإعلام في عقل الجمهور المستهدف والتي غالبا ما تكون صور زائفة.. حيث تقوم وسائل الإعلام بتحويل قضية مهما كانت مصداقيتها إلى أولوية لدى الجمهور. فما بالك بالجمهور العربي الذي ابتلي اليوم ببعض من المحسوبين على الإعلام وبعض من الداخلين في الإعلام لأغراض خاصة أيدولوجية أو مالية أو سياسية أو تجارية.. ألم تأتيك أنباء وسائل الإعلام بعد الربيع العربي وقبله وكيف اتهم الإعلام بصناعة الثورات؟ وكيف ساهم بعض الإعلام في التآمر على الثورات من خلال الأخبار الكاذبة والمزيفة؟

 

ولا استثني أحدا فقد بات الإعلام المحسوب على الثورات أو بعضه يلعب اللعبة نفسها.. فتجد من لم يتدرب على التصوير مصور.. ومن لا يعرف التعامل مع الكاميرا مخرج ومن لا علاقة له بالتقديم وقواعده وأساسياتها مقدم، ومن لا يفقه شيئا في فن التحرير وقواعده وعناصر الخبر وأساسياته محرر.. تجد الفنان يقدم برامج.. والمسرحي مذيع، وشيوخ الجوامع يديرون مؤسسات إعلامية.. وكذلك يفعلون.. رغم أن الإدارة أصبحت علما يدرس ومجالا واسعا.. لكن ذلك لا يصلح لمثل هذا النوع من الإعلام.

 
هذا إعلام البروباغندا والتطبيل والإيدولوجيا.. حيث كل شيء متاح ويجوز نقله.. فرغم أنه ليس كل قيل يصدق وينقل قبل أن يتم التثبت منه، إلا أنهم ينقلون أي معلومة تتماشى مع فكرهم! ورغم أنه ليس كل ما قيل يكتب إلا أنه يكتبون كل شيء ..إنه نوع من الإعلام الجديد العنيد يصعب إلصاق صفة به .. فكي تجد له وصفا عليك أن تعرف مكانته من الإعلام. إنه الإعلام المال والتجارة والإيدولوجيا.. هدفه توجيه الرأي العام فقط نحو ما يريده هو..

  
في كتابه الرائع "السيطرة على الإعلام – الإنجازات الهائلة للبروباغندا" يرى العالم نعوم تشومسكي أن لوسائل الإعلام دور كبير في تضليل الجماهير وتغييبهم عقولهم لتحقيق أغراض إيدولوجية وسياسية.. ذلك رأيه في الإعلام الغربي الأكثر حرفية من إعلامنا العربي.. فماذا سيقول عن إعلامنا العربي الذي تحول من مهنة المتاعب المصاعب والسلطة الرابعة.. إلى مهنة من لا مهنة.. مهنة كل باحث عن سلطة أو مال فغابت الحقيقة وانتصرت الإيدولوجيا.. وغيبت المعلومة على حساب البروباغندا. ومنع أصحاب الخبرة والتجربة من ممارسة مهنتهم على حساب الولاء والطاعة العمياء.. زينت المنابر وجففت الأقلام الحرة.. ثم يقولون: في الأخير نحن وسائل الإعلام.

 

لقد ضاع شرف المهنة الإعلامية في الطريق إلى تلك القنوات والصحف المشبوهة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.