شعار قسم مدونات

قانون عسكرة الآثار في مصر!

blogs الآثار المصرية

وعلى حين غفلة من أهلها، قام "برلمان العسكر" بإسدال الستار على المشهد الأخير من أحد فصول المسرحية الكبرى التي تحياها مصر منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013. ففي يوم الاثنين 23 أبريل 2018، وافق ما يسمى بـ "مجلس النواب" وبشكل نهائي، على مشروع قانون مقدما من الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم (117) لسنة 1983 بإصدار قانون حماية الآثار. وبالرغم من أن القانون كان يحتاج بالفعل إلى تعديلات كبيرة، كان من شأنها أن تقوم بمنح وزارة الآثار سلطة أكبر تُمكنها من الحفاظ على الآثار التي تنهار يوماً بعد يوم، إلا أن التعديلات الأخيرة جاءت مخيبة للآمال، في حين مكنت العسكر من التحكم في البقية الباقية من آثار مصر!

الغريب في التعديلات هذه المرة -وبالرغم من خطورتها- جاءت واضحة لا لبس فيها؛ كما كان يفعل ترزية القوانين في عهد مبارك؛ ساعة أن كانوا يخافوا من هَبة الشعب المكبوت، ولكن ولأن هذا النظام أمن العقوبة -ولو إلى حين- فقد أساء الأدب، فيما يخص آثار مصر! ففي المادة الثانية من القانون والتي أعتبرها من أخطر التعديلات تم تغيير مسمى "اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية" كي تصبح "اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية"، وهذه جريمة في حد ذاتها، فأين هي الآثار اليهودية في مصر والتي من أجلها نضع لها فرعاً من فروع آثارنا، إنه لأمر خطير جداً؛ فالتراث اليهودي في مصر لا يضم أكثر من عشرة معابد ؛ كلها عبارة عن مباني صغيرة معظمها لا يتجاوز عمره أكثر من مائة عام وهي مهجورة منذ زمن طويل.

وطبقاً لهذه المادة الخطيرة، فقد يتم التمكين لليهود من هذه الأماكن في مصر، كما يتم التمكين للأوقاف وللكنيسة من ضم الآثار الإسلامية والقبطية إليهما، وليس من المستبعد أيضاً أن نجد للآثار اليهودية قسماً في كليات الآثار في مصر! وما يدعونا إلى أن نعتبر أن هذه التعديلات جاءت في الأصل من أجل تحقيق ذلك لليهود؛ هو أن مشروع القانون ذكر في أول هدف من أهدافه: "حماية الآثار المصرية باختلاف أنواعها وحقبها التاريخية"!! وكأن التعديلات وضُعت من أجل اثبات حق لليهود في مصر!

العسكرة المباشرة لآثار مصر فتتضح في المادة: "تتولى إدارة المتاحف العسكرية كافة مسئوليات ومهام أعمال الإشراف والإدارة والتأمين فيما يخص المتاحف العسكرية"

وليس أقل خطراً من هذا ما جاء في المادة العاشرة، حيث حُذف لفظ هام وخطير من ألفاظ القانون الأصلي الذي كان ينص على: "يجوز بقرار من رئيس الجمهورية، عرض بعض الآثار غير المتفردة والتي تحددها اللجان المختصة في الخارج لمدة محددة …"، واللفظ المحذوف هو "غير المتفردة"، وهذا سيفتح الباب واسعاً لإخراج أية آثار من مصر مهما كانت نادرة أو مهمة، وهذا بالفعل حدث قبل اقرار هذا القانون؛ عندما تم اخراج مقتنيات الفرعون الصغير "توت عنخ آمون" منذ أسابيع لعرضها في معارض خارجية ولمدة خمس سنوات مقبلة!، وهذه النقطة من النقاط الهامة التي لم تقترب منها جميع التعديلات الملحقة بالقانون منذ اصداره عام 1983.

أما العسكرة المباشرة لآثار مصر فتتضح في كل من المادة (18 مكررا) والتي أضيفت في التعديلات الأخيرة وتنص على: "تتولى ادارة المتاحف العسكرية كافة مسئوليات ومهام أعمال الإشراف والإدارة والتأمين فيما يخص المتاحف العسكرية"، والحجة في ذلك أنها أسرار عسكرية، وكأنها لم تكن عسكرية قبل هذه التعديلات ففطنوا الآن إلى أنها أسرار عسكرية يجب ألا تُفشى!

أما المادة (31) فقد أضيف للنص القديم فيها؛ ما يجعل للعسكر السلطة الأعلى في مصر، فقد جاء البند كالتالي: "يرتب المجلس بعد الرجوع لوزارة الدفاع والجهات الأمنية المعنية أولويات التصريح للبعثات والهيئات بالتنقيب عن الآثار …"، حيث أُضيفت بعد الرجوع لوزارة الدفاع، ومقصود (بالمجلس) هنا -بعد التعديلات- وزارة الآثار حالياً، وتشترط المادة رجوع وزارة الآثار إلى وزارة الدفاع قبل التصريح للبعثات والهيئات المختصة بالتنقيب عن الآثار!، إذن بالله عليك أخبرني.. أفي دولة مصر نحن نعيش أم دولة العسكر؟!

أما المادة التي نادى معظم المختصين بتعديلها وهي المادة (30) والتي لم تمكن وزارة الآثار من السلطة الكاملة على كل الآثار الاسلامية والقبطية بكل من وزارة الأوقاف والكنيسة المصرية، فقد ظلت على حالها، مما يعرض كل من الآثار الاسلامية والقبطية التي ما زالت تحت سلطة الأوقاف والكنيسة للضياع! أما الميزة الوحيدة -التي أراها- والتي جاءت بالتعديلات فهي ما ذكرته المادة (47) مكرر(أ) والتي تنص على أن: "جرائم الآثار أو الإتجار فيها لا تسقط بالتقادم"، علَنا يوماً ما نستطيع أن نطبقها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.