شعار قسم مدونات

هل صار بإمكاننا أن نقول.. وداعا أيها الكتاب!

blogs قراءة ، اجهزة إلكترونية بيكسا باي

لا يخفى على كل من جلى الواقع الغبش عن عينيه أننا نعيش في ظل ثورة تكنولوجية حديثة مست مختلف مناحي الحياة الاجتماعية منها والاقتصادية والفكرية.. وهو ما تجلى واضحا وجليا أيضا في جانب الكتاب والقراءة، حيث عرف هذا الجانب تطورا مهما حتى بات ما يطلق عليه الآن بالكتاب الإلكتروني أو الرقمي، الأمر الذي وفر للجميع إمكانية القراءة في كل مكان أولا، وحسب مستوياتهم وتخصصاتهم وميولاتهم ووقتهم.. ثانيا، كل هذا جعلنا أمام إشكال رئيسي وهو: هل الكتاب أصبح يتعارض مع التكنولوجيا؟ أم هو التكنولوجيا في تطورها وتكيفها على امتداد مئات السنين وصار بإمكاننا أن نقول: وداعا أيها الكتاب؟

كما قلنا عصرنا عرف ثورة تكنولوجية لم يسبق لها مثيل من قبل، حتى إن الفيلسوف الإيطالي "لوتشيانو فلوريدي" أطلق عليها أو وسمها في كتابه بـ "الثورة الرابعة" مضيفا إياها إلى الثورات الثلاثة التي عرفتها البشرية خلال القرون الخمسة الأخيرة، وكان لهذه الثورة أن أحدثت تغييرا جذريا فيما يتعلق بالكتاب وإعطائه شكلا آخر مما جعله يفرض ذاته على القارئ الآن.

ومن المعلوم أن لكل شيء كانت سمته التغيير يمر بمراحل حتى يستقر في مرحلة على شكل، منتظرا مرحلة أخرى يكون فيها على نمط مخالف لما كان عليه من قبل، ونفس الشيء في الكتاب فإنه مر بمراحل يمكن القول إن أهمها حتى الآن هي ثلاثة مراحل أساسية:

في عقد السبعينات ومع تطور الأنظمة الإلكترونية أصبح الكتاب يعرف منحى آخر في مفهومه وشكله، حيث سينتقل من المطبوع إلى ما هو مرئي ومرقم في المواقع

* مرحلة المخطوطات: والتي كانت في البداية سمتها الرئيسية هي النقش بأداة حادة على الكهوف، أو الحجارة والطين.. قبل أن تنتقل إلى الأوراق ولكن ليس بمعناها الآن، ولكن ما كان يسمى بأوراق السعف والعظام والقماش وأوراق البردي.. ومنها تطورت إلى استعمال الجلود المدبوغة من طرف سكان جزيرة العرب، وسموها بالأديم، أو الرق .

* مرحلة المطبوعات: وانطلقت أو دشنت هذه المرحة مع مخترع آلة الطباعة " غوتنبرغ- Gutenberg" التي أحدثت تغيرا في شكل حياة الإنسان بصفة عامة، وشكل الكتاب بصفة خاصة، وذلك أن اختراعها كان نقطة تحول في مسار تاريخ الكتاب، نقلته من طور المخطوطات إلى طور المطبوعات، ومعها نسي عصر النسخ والكتابة اليدوية التي كانت تستنزف الوقت والجهد الكثير، وهذه المرحلة كما قلنا أحدثت خلخلة في بنية وشكل حياة الإنسان لتعيد بناءها بناء جديدا، وذلك بفضل نقل العلوم ونشرها في المجتمع بحيث أصبحت متداولة ومنتشرة بين كل أفراد المجتمع وأطيافه، وما كان ذلك ليكون بهذه السهولة لولا الطباعة التي يرجع لها الدور الكبير في ذلك.

مرحلة يمكن أن نسميها بمرحلة الإلكترونيات، أو الرقميات: في عقد السبعينات ومع تطور الأنظمة الإلكترونية أصبح الكتاب يعرف منحى آخر في مفهومه وشكله، حيث سينتقل من المطبوع إلى ما هو مرئي ومرقم في المواقع، ويتطلب الأمر للوصول إليه إلى الاشتراك فقط في هذه المواقع، وهذه المرحلة بقدر ما ساهمت في تقدم عملية الطباعة بحيث أصبح تجهيز الكتب عملية دقيقة وسريعة الإنجاز.

 

ساهمت كذلك أيضا في بروز الطباعة الرقمية التي باتت تتزاحم مع ما هو ورقي، ليستقر الأمر بها الآن على الأنساق المعروفة وما هو ممثل في ال "بي دي إف" بكل أشكال أنواعها، وهي وغيرها من الأنساق أنتجت لنا كتبا إلكترونية بحلة لم نكن نتوقعها، وذلك حينما انضغطت ملايين الصفحات الورقية في رقائق غير مرئية على شكل ملفات نصية تتشابه مع الكتب من حيث ترتيبها، لتكون بذلك متماشية مع العصر الذي بات يطلق عليه الآن بـ "عصر السرعة "، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تلبية متطلبات زبناء الكتاب الذين ما فتئوا ينتظرون كل جديد يقدم لهم ما يطلبون وفي وقت محدد وسريع محكوم بالدقائق والساعات.

يفترض خلال السنوات الأخيرة أن تفوق مبيعات الكتب الإلكترونية نظيراتها المطبوعة حسب تقارير متطابقة من الشركات المتنافسة، آبل، غوغل... 
يفترض خلال السنوات الأخيرة أن تفوق مبيعات الكتب الإلكترونية نظيراتها المطبوعة حسب تقارير متطابقة من الشركات المتنافسة، آبل، غوغل… 
 

وما قلناه يشدنا ويجذبنا للوقوف على أهمية كل مرحلة، إذ نجد أن كل واحدة منها أزالت في طريقها المرحلة التي تقدمتها، لتكون بذلك عملية متسلسلة ابتدأت بالنقش على الحجر والطين.. مرورا بأوراق السعف والعظام والقماش.. لتنتقل بعدها إلى ما هو ورقي الآن، قبل أن تستقر في المحطة الأخيرة -إلى حين آخر- على ما هو رقمي والذي حديثنا عنه. وهذا كله يعطينا أن الأهمية تكمن في المعلومات وليست فيما كتبت عليه أو بما كتبت به، فالأشياء التي كانت متاحة في كل مرحلة هي التي كان يكتب عليها، وهو نفس الشيء الذي نقوله في مرحلتنا هاته، إذ لا فرق بينهما إلا في الظاهر، إذ كل منهما أدى المطلوب الذي كان مرجوا منه وبشكل ناسب كل منتسب إلى مرحلته.

ويفترض خلال السنوات الأخيرة أن تفوق مبيعات الكتب الإلكترونية نظيراتها المطبوعة حسب تقارير متطابقة من الشركات المتنافسة، آبل، غوغل… وهي بهذه العملية تكون قد وفرت مختلف أشكال وأنواع الكتب التي يريدها القارئ حسب ما قلناه سالفا، إذ لا يتطلب الأمر منه سوى الضغط على واجهة هذه الأجهزة الدقيقة التي بأيدينا والممثلة في الحواسب والهواتف.. للوصول إلى ما يريد، وهي في نفس الوقت أخاذة وجميلة توقع مستخدميها في شراك وفخ حبها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.