شعار قسم مدونات

بين آلام النكبة وآمال العودة

blogs - nakba

مع اقتراب الذكرى السبعين للنكبة الكبرى يوم 15 من مايو/ أيار، يتهيأ الشعب الفلسطيني من كل فئاته العمرية وفي كافة أماكن تواجده لإحياء هذه الذكرى المتجذرة في وجدانه وضميره والحاضرة في ذاكرة شهود النكبة، فمنهم من مات قبل أن تتكحل عيناه برؤية بيته وأرضه ومنهم من ينتظر العودة إلى الوطن، رغم الادعاءات الصهيونية والأكاذيب المستمرة لتبرير جرائم عصاباتهم بحق الشعب الفلسطيني واحتلالهم الأرض وتزييف الحقائق والتاريخ لتهويد الأراضي والمقدسات.

أيام قليلات وتطل علينا ذكرى سبعينية النكبة ليتجدد فيها الألم الساكن في صدور من كانوا أطفالاً حملوا معهم ذكريات مريرة وعذابات لم تمحوها الأيام وسنوات اللجوء والشتات. ذكرى أليمة تكشف عن لواعج الشوق والحنين إلى أرض الآباء والأجداد والأجيال من بعدهم تحمل صور القرى والمدن ومفاتيح العودة لينبعث الأمل من جديد على سواعد جيل النكبات والعودة الذين آمنوا بعدالة قضيتهم وحقوق شعبهم الذي اقتلع من أرضه واُخرج من دياره قسراً على أيدي عصابات صهيونية ارتكبت أبشع المجازر بحق أصحاب الأرض الأصليين لاستبداله بشعب آخر اُستنبط من أساطير وقصص خيالية.

تأتي ذكرى سبعينية النكبة في خضم انشغال العرب بالصراعات الدولية وبمزيد من التفكك وغياب الشعور بالمسؤولية وخطورة المرحلة التي تحمل في ثناياها الكثير من التحديات والتغيرات التي تنطوي عليها مصالح دول كبرى لإرضاء نزوات طفل مدلل هو "الكيان الصهيوني" وتقديم الهدايا له على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية المشروعة والعادلة.

تأتي ذكرى سبعينية النكبة وثمة اشارات تحمل دلالات واضحة لفرض سياسة الأمر الواقع وسعي لانهاء وتصفية القضية الفلسطينية وأولى ذلك .. عزم الإدارة الأميركية نقل سفارتها إلى القدس يوم 14 مايو / أيار الجاري، هذا اليوم الذي يحمل دلالة رمزية كونه يتزامن مع ذكرى تأسيس "الكيان الصهيوني".. ولعل حديث الخارجية الأميركية في هذا الشأن كان له دلالة كافية عندما قالوا: أإنا في غاية السرور لقيامنا بهذا الحدث والتقدم التاريخي وإننا ننتظر بفارغ الصبر الافتتاح في منتصف هذا الشهر.. وكذلك قرار الرئيس الأميركي ترمب القاضي بتقليص الدعم المالي لوكالة الأونروا. والدعوة التي أطلقها نتنياهو إلى تصفية وكالة الأونروا وإخضاع خدمة اللاجئين الفلسطينيين إلى مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.

إننا اليوم لفي أشد الحاجة إلى أن نعي خطورة المرحلة التي تستوجب أول ما تستوجب تعزيز الشعور بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق الشعب الفلسطيني أفرادا وجماعات

ومما يثير الغضب والاشمئزاز موقف بعض الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية وحملها مع ترمب وزر الصفقة المشؤومة ودفع كل التكاليف المالية لذلك، والطلب من الفلسطينيين القبول "بصفقة القرن" أو الصمت للأبد وعدم التذمر، بل وإطلاق دعوات التطبيع مع الكيان الصهيوني علناً ودون خجل وترجمة ذلك مشاركة دول عربية في سباق دولي للدراجات الهوائية يستضيفه ويحتضنه "الكيان الصهيوني" بمناسبة ذكرى نكبتنا السبعين التي تكمن في جوفها نكبات ومحن متعددة أبرزها حالة الانقسام التي تعصف بالساحة الفلسطينية والحصار الظالم المفروض على قطاع غزة والاستمرار في بناء المستوطنات وقضم الأراضي الفلسطينية والعزلة التي يعاني منها الفلسطينيون والتي تعود في جزء منها إلى الأداء الضعيف للقيادة الفلسطينية وإلى الأزمات التي تعاني منها في الرؤية وإدارة المؤسسات وفي تحديد الأولويات والمسارات. ويشترك في هذا حال العرب المنشغلين في صراعات بغيضة تستنزف طاقاتها وثرواتها. كل ذلك وغيره أغرى نزيل البيت الأبيض والكيان الصهيوني ودفع باتجاه تمرير "صفقة القرن" وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية وإضاعة كافة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

لهذا أدرك الشعب الفلسطيني خطورة ما يحاك عليه من مؤامرات تستهدف قضيته العادلة ومصيره، فبادر إلى استخدام أشكال جديدة من أشكال المقاومة الشعبية وذلك بالزحف في مسيرات سلمية إلى الأراضي المحتلة في مشاهد فريدة من نوعها تُسجَل لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع قوات "الاحتلال الصهيوني" والتي ستكون ذروتها يوم ذكرى النكبة 15 من مايو/أيار، لتؤكد على التمسك بالحقوق الفلسطينية كاملة وفي مقدمة ذلك حقه في العودة إلى الأراضي المحتلة وإنهاء الاحتلال الجاثم فوق أرض الآباء والأجداد.. والوقوف في وجه "صفقة القرن" المشؤومة.

ولا بد لنا من التذكير أننا اليوم لفي أشد الحاجة إلى أن نعي خطورة المرحلة التي تستوجب أول ما تستوجب تعزيز الشعور بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق الشعب الفلسطيني أفرادا وجماعات وتستدعي وقفة جادة ومسؤولة من قبل القيادة الفلسطينية بجميع قواها وفصائلها ومراجعة دقيقة تكون بحجم تضحيات الشعب الفلسطيني متجاوزة كافة العقبات والخلافات وطي صفحة الانقسام وتحقيق المصالحة ومواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية والتفاعل الحقيقي مع مسيرة العودة الكبرى ومع هذه الفرصة التاريخية الأقصر طريقاً لتحقيق أمل العودة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.