شعار قسم مدونات

بين المغرب والجزائر.. تتأجج حرب باردة بين الجارتين؟

blogs المغرب و الجزائر

تعيش جل الدول المتجاورة والتي تتشارك في الحدود مع بعضها البعض صراعات في ما بينها سواء أكانت صراعات مباشرة بالسلاح أو صراعات اقتصادية وديبلوماسية. ويبدو أن بين الجزائر والمغرب قصة طويلة في هذه الاختلافات التي ووصلت في وقت مضى للاشتباك العسكري، غير أن هذا الصراع يتصاعد تارة وتنخفض حدته بدواعي الأخوة والقومية والتاريخ المشترك الذي يربط البلدين..
    
لتكن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المغربي والتي أشار فيها إلى قطع علاقة المملكة المغربية مع إيران وتطرق في خلال كلمته لنثر بعض الكلمات التي كانت مفعول السم، حيث قال أن الجزائر تمنح أراضيها لتدريب جبهة البوليزاريو الأمر الذي ردت عليه الجزائر بكل حزم حيث استدعت السفير المغربي وأبلغته في رسالة حملها لملكه أن الجزائر دولة سيدة وقوية تتحكم في مصيرها ولا تقبل باستباحة أراضيها من قبل منظمات ذات طابع عسكري، غير أن المغرب لم يقف بعد هذا ليواصل استخدام سلاح الإعلام ويأجج الحرب الباردة بين الدولتين حيث أشار إلى أنه يملك أدلة على ما ذكره وزير الخارجية تثبت تورط الجزائر في هذه المسألة ليختم كلمته بنثر ورود المحبة بين شعبين شقيقين الأمر الذي لم تتقبله الجزائر حكومة وشعبا، لترد الجزائر هذه المرة برد لم يخطر على بال أحد فقد تحرك نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بحركة استراتيجية أغلقت بعدها ألسنة المغاربة.

 

في 1980 قامت المغرب بتشيد جدار أمني على طول الحدود البرية مع الجزائر استغرق 7 سنوات لإنجازه بحجة دعم الجزائر لجبهة البلوزاريو عسكريا ولوجستيا

رد الفريق أحمد قايد صالح جاء من الناحية العسكرية الثانية بوهران أشرف على مناورة هي الأكبر من نوعها في تاريخ البحرية الجزائرية حيث شهدت هذه المناورة والتي أطلق عليها اسم "الطوفان" على قوة وجهازية الجيش الجزائري في الذود عن أراضيه، مناورة الطوفان البحرية شهدت أيضا مشاركة وحدات إسناد جوية وقوات الدفاع الجوي عن الإقليم إضافة إلى مختلف الأسلحة في القوات البرية، لتكون هذه المناورة رد صريحا لتصعيد الذي تريد به المغرب أن تجز بجارتها الجزائر في حرب لسانية من أجل أن تثبت لشعبها قوتها الدبلوماسية، في حين أشار بعض المحللين السياسيين إلى أن هذه التصريحات هدفها الأساسي إقحام الجزائر في الصراع الإيراني خاصة وأن الجزائر تحافظ على خطوطها العريضة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد كان مع تأكيديها على ضرورة حق الشعوب في تقري مصيرها، وللإحاطة بالحرب الباردة بين الجزائر والمغرب يجب أن نعود بصفحات التاريخ قليلا نحو الوراء، لتتضح الصورة المخفية خلف هذه الحرب اللسانية التي تشنها المملكة المغربية على الجمهورية الجزائرية.

 
نالت المملكة المغربية استقلالها في نوفمبر سنة 1956 على إثر معاهدة الانسحاب من الأراضي المغربية التي وقعتها فرنسا في ذات السنة واتفاقية الخروج الإسبانية التي وقعت كذلك في سنة 1956 على الرغم من أن هذه الأخيرة لم تكن شاملة لكل الأراضي فقد احتفظت بكل من مدينة سبة ومدينة مليلية والمدن الجعفرية تحت الحكم الإسباني، في هذا الوقت كانت الجزائر تشهد ثورة تاريخية أمام فرنسا والتي انتهت بنيل الجزائر استقلالها سنة 1962، في هذه السنوات كان صراع الثنائية القطبية في أوجه فاختارت الجزائر المعسكر الشيوعي في حين اختارت المغرب النظام الرأس مالي، هذا الاختلاف الإيديولوجي والاقتصادي لم تستسغه المغرب واعتبرته تهديدا لها، غير أن المشكلة المحورية في أن تتخذ المغرب من جارتها كغريم لها لم تكن أبدا هي هذه الاختلافات فبعد سنة من استقلال الجزائر شن الجيش المغربي هجوما على أقصى الغرب الجزائري وبالتحديد على ولايتي تيندوف وبشار زاعما أنه له الأحقية التاريخية في هذه الأرض، ومعتبرا الدولة الجزائرية دولة احتلال ومستغلا في ذات الوقت قلة حيلة الجيش الجزائري الذي لم يمض على وجده سنة واحدة.

 
في هذا الهجوم خرج الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة ليقف أمام شعبه ويخطب خطبته التاريخية حيث أشار إلى كون المغرب قد استباح الأرض واعتدى عليها قائلا باللهجة العامية "حقرتنا المغرب" ما دفع بأبناء الجزائر إلى التجند في صفوف الجيش الجزائري والذهاب لجبهة القتال في تندوف، ليحقق في هذه الحرب التي أطلق عليها اسم "حرب الرمال" نجاحا كبيرا مون الناحية العسكرية والتاكتيكية، وبعد صد العدوان قام الجيش الجزائري بشن هجوم مضاد كلل بالنجاح حيث خرج الجيش المغربي وهو يرفع الرايات البيضاء معبرا عن استسلامه لتسحب القوات الجزائرية جيشها من داخل الأراضي المغرية وتأكد أنها لو أرادت أن تتخذ من اعتصاب أراضي الغير منهجا لها لفعل في هذه الحرب، هذا الهجوم المضاد كان حسب رأي عدة محللين عسكريين هجوما هدف الأساسي إيقاف زحف الجيش المغربي فقط، لتنهي هذه الحرب سنة 1964 بخسائر فادحة في صفوف الجيش المغربي وبتحقيق الأهداف المرجوة من قبل الجيش الجزائري.

   undefined

 

صراع الجزائر والمغرب لم ينتهي بعد قرار وقف إطلاق النار بين البلدين ولكنه تغير من المفهوم العسكري إلى الحرب السياسية، وفي 27 من شهر فبراير انطلقت أزمت أخرى بين البلدين بعد إعلان جبهة البوليساريو لقيام دولة الصحراء الغربية، والتي كانت الجزائر أحد الدول السباقة للاعتراف بها كدولة مستقلة ذات سيادة وهذا ما جاءت به كلمة الجزائر قبل هذا التاريخ وبالتحديد سنة 1966 في الدورة 21 للأمم المتحدة حيث أعلن المندوب الجزائري أن "مشكل الصحراء الغربية مشكل معقد ولا يمكن لأي كان أن يتجاهل بأن هذا المشكل هو مشكل استعماري تشكل تصفية ضرورية قصوى ليس فقط للبلدان التي لها حدود مع هذا الإقليم" وأضاف "إن الحكومة الجزائرية تعتبر أن أساس تصفية الاستعمار تكمن في ممارسة السكان الخاضعين للاستعمار الإسباني بحقهم في تقرير المصير وهذا المفهوم مطابق لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية وينسجم كذلك مع الالتزامات الدولية التي تعهدت بها الجزائر عند انضمامها إلى هاتين المعاهدين".
 

المشكل بين الجزائر والمغرب في السنوات الأخيرة خرج عن الحيز السياسي ليدخل الحيز الثقافي في توتر خفيف التيار على عدة أمور ثقافية مشتركة بين البلدين، كما انتقلت العدوى للجانب الرياضي

وقبل إعلان الاستقلال أيضا كان الموقف المغربي مغايرا للموقف الجزائري حيث طالب المغرب بالساقية الحمراء وواد الذهب وأعتبرهما أراض مغربية، وعلى خلفية دعم الجزائر للجمهورية الصحراوية في فبراير سنة 1976 وموقف المغرب المعادي لها تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مارس من ذات السنة لتصبح القضية الصحراوية هي القضية المفصلية في العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، وفي 1980 قامت المغرب بتشيد جدار أمني على طول الحدود البرية مع الجزائر استغرق 7 سنوات لإنجازه بحجة دعم الجزائر لجبهة البلوزاريو عسكريا ولوجستيا، وعلى الرغم من ذلك فقد أصدرت في السنة الموالية قرارا بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير الأمر الذي لاقته الجزائر برحابة وسعة صدر، مسلسل الصراع الجزائري المغربي والذي تحول إلى قضية الصحراء الغربية تواصل في ثمانينيات القرن الماضي حيث أعلنت المغرب انسحابها من منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الافريقي) سنة 1984، لتهدأ الأمور قليلا بين البلدين على خلفية السعي لتأسيس اتحاد المغرب العربي.
 
غير أن الأوضاع الأمنية الغير مستقرة التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي جعل المغرب تقتنص الفرصة وتتهم الجزائر بتفجير استهدف فندقا في وسط مدينة مراكش المغربية، لتفرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين بالمغرب الأمر الذي رفضته الحكومة الجزائرية جملة وتفصيلا ما دفعها لاتخاذ قرار غلق الحدود البرية بين البلدين والذي لا يزال ساري المفعول ليومنا هذا، وبعد تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة زمام الحكم في الجزائر سنة 1999 قام بمحاولة للتقارب بين البلدين غير أنها باءت بالفشل بعد أن أشارت الحكومة الجزائرية إلى كون المغرب تقوم بإواء الجماعات الإرهابية. لتشهد العلاقات الثنائية بين البلدين بعد ذلك شيء من التلطيف.

 
غير أن المشكل بين البلدين في السنوات الأخيرة خرج عن الحيز السياسي ليدخل الحيز الثقافي في توتر خفيف التيار على عدة أمور ثقافية مشتركة بين البلدين، كما انتقلت العدوى للجانب الرياضي حين انسحبت المغرب من تنظيم كأس الأمم الإفريقية والتي أرجها بعض المحللين إلى كون هذا القرار سياسي خاصة وأن الجزائر كانت مشرحة لنيل لقب القارة السمراء تجنبا لرفع علم الجزائر بثوب البطل على الأراضي المغربية.
 
وعلى خلفية هذا وذاك تبقى قضية الجزائر والمغرب قضية جوهرية في العلاقات الدبلوماسية الدولية والتي يبدو أنها لن توقف صراعها هنا وستواصل الدخول في صراعات تارة بتصعيد عال وتارة بحدة خفيفة لتسيل الحبر تارة وتبتعد عن الأضواء تارة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.