شعار قسم مدونات

حوار عطوف بين إرهابيين سابقين في لحظة المجد

blogs السادات و بيجن

من دهاء التاريخ أن الرئيس المصري أنور السادات عقد اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين وقد جمع بين الرجلين ماضيهما المعروف والمشهور في العمل السري الذي يوصف الآن بدون أية مناقشة بأنه نوع من أنواع الإرهاب.

 

ومن المفارقات التي يصنعها البشر (بوعي أو غير وعي) بحكم إيمانهم بماضيهم أن السادات جاءه الالهام السياسي أن يعين زميله في الاتهام في قضية مقتل أمين عثمان في منصب وزير الخارجية فقد كان هذا الزميل قد التحق بالسلك الدبلوماسي ووصل إلى منصب سفير مصر في ألمانيا الغربية.

 

روي محمد إبراهيم كامل بإنصاف شديد لنفسه وللسادات قصة استقالته من منصب وزير الخارجية عقب توقيع الاتفاقات مع إسرائيل. جدير بالذكر أن الرجل لم يكمل تسعة شهور في هذا المنصب الذي توج به حياته فقد تم تعيينه وزيراً للخارجية يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) 1977، وسافرت في اليوم التالي للاشتراك في مباحثات الاسماعيلية بين مصر وإسرائيل، وفي 5 سبتمبر (أيلول) 1978، سافرت مع الرئيس السادات، والرئيس الأمريكي كارتر، ومناحيم بيجين. وفي 16 سبتمبر (أيلول) قدم استقالته للرئيس السادات بعد حديث استمر نصف ساعة وقبلها، لكنه طلب منه عدم إعلانها حتى نعود إلي القاهرة.

 

هذه هي رواية الوزير عن لحظة أو ذروة الغضب من السادات:

"….. كيف تطردني خارج الغرفة، أتظن أن تعيينك لي وزيرا للخارجية يخولك ذلك؟ سأترك هذا المنصب بمجرد عودتنا إلى القاهرة وفي ستين داهية".

 

"واستدرت عائدا لأغادر الغرفة، وسمعت صوته "انتظر يا محمد" فتوقفت مكاني فقال "تعال اجلس" وعدت إليه ولكني ظللت واقفاً فقال "ماذا جري لك يا محمد، ألا تشعر بما أنا فيه؟ وإذا لم تتحملني أنت فمن الذي يفعل؟" فقلت وقد أحسست بالإشفاق عليه: "إني أشعر بما تشعر به بدوري ولكن ليس هناك ما يدعو إلى أن تخاطبني بهذا الشكل أمام أحد فأنا لا أقبل ذلك حتى من أبي".

 

فقال: "أنا آسف، أعصابنا جميعاً متوترة بسبب هذا السجن اللعين، لماذا لا تجلس، وقلت: "لا.. سأتركك تستريح فنحن في منتصف الليل.. وأنا أرغب في المشي قليلا".

 

وهذا هو الجزء المهم من الحوار الممهد للاستقالة كما يرويه صاحبه:

سأذهب وأعيش مع عائلتي وولديّ اللذين لم أقم معهما منذ عشر سنوات بسبب وجودي في الخارج أثناء دراستهما في مصر، وقد كبرا وأريد أن استمتع بالمعيشة معهما قبل أن يأخذ كل منهما طريقه في الحياة

محمد كامل: إنك إذا وقعت على اتفاقية علي أساس المشروع الأمريكي فسيكون حلا منفرداً بكل المعايير ولن تنجح في خداع أحد بغير ذلك، وأفضل لنا أن نقول ذلك صراحة على أن نتستر وراء مسرحية الحكم الذاتي كما وردت في المشروع.

 

السادات: بل إني أسير على استراتيجية بعيدة المدي ستنتهي بالحل الشامل في الشرق الأوسط وسيكون معنا الرئيس كارتر وستنضم إلينا السعودية والملك حسين.

 

محمد كامل: إذا وقعت مثل هذا الاتفاق فلن يستطيع كارتر عمل شيء، ولن يجذب ذلك السعودية والأردن بحال، أرجو منك مرة ثانية أن تعيد النظر في الأمر ولنعد إلى مصر ونجري مشاورات مع الدول العربية لنري ماذا تكون خطوتنا التالية؟

 

السادات: لا، أنا أعلم ما أفعله، وسأمضي في مبادرتي إلى النهاية.

 

محمد كامل: إذن فأرجو أن تقبل استقالتي.

 

السادات: كنت أعلم من البداية إنك تلف وتدور لتقول هذا في النهاية.

 

محمد كامل: لا.. لقد حاولت إقناعك بما أراه وفشلت، فلم يبقي أمامي إلا هذا المخرج، فأنا لا أستطيع أن أوافق على شيء يبدو لي من المؤكد خطؤه وخطره، ولا أستطيع أن أغشك وأغش نفسي وضميري فإنه داخلي يعيش معي ليل نهار.

 

السادات: إذا كان هذا يريحك فاني أقبل استقالتك، وكل ما أطلبه منك هو أن تدعها بيننا في الوقت الحالي لا تخبر أحدا بأمرها حتى نعود إلى مصر.

 

محمد كامل: سأفعل ذلك فليس قصدي إحراجك.

 

السادات: إذن اتفقنا، ولتهدأ وتريح أعصابك وسيكون كل شيء على ما يرام في النهاية.

 

غادرت السادات والحزن والأسف يملآن قلبي، ولكن من الناحية الأخرى هدأت أعصابي، وارتاحت نفسي، وقابلني (أشرف) غربال (سفير مصر في أمريكا) فسألني عما بيني وبين السادات، وقلت: كنت أناقشه في مخاطر المشروع الأمريكي ولكني لم أستطع إقناعه.   

 

وعندما أويت وبطرس غالي إلي نومنا قال لي بطرس: "إن حالتك غير طبيعية هذا المساء فأنت تبدو هادئاً سعيداً فماذا جري بينك وبين الرئيس؟".

 

قلت وأنا ابتسم: "هذا سر بيني وبينه".

 

فقال: "بل قل لي".

 

وأجبت: "أعدك بأن أفعل ذلك حال وصولنا إلى القاهرة".

 

قلت: كيف تتصور أن أعين سفيرا لأنفذ سياسة أنا غير موافق عليها، ولا أستطيع أن أفعل ذلك بحال. قال في غضب: ليس من الضروري أن تعمل شيئا، استرح
قلت: كيف تتصور أن أعين سفيرا لأنفذ سياسة أنا غير موافق عليها، ولا أستطيع أن أفعل ذلك بحال. قال في غضب: ليس من الضروري أن تعمل شيئا، استرح
 

وتوجهت في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي إلى السفارة وكان السادات مجتمعا مع صديقه هنري كيسنجر، وعندما خرج كيسنجر دخلت إليه في صالون السفارة وقد دهش لرؤيتي وقال: فيه حاجة يا محمد؟

فقلت نعم لقد طلب فانس مقابلتي أمس قبل مغادرتنا لكامب ديفيد وأبلغني أنك أخبرته باستقالتي رغم أنك طلبت مني الاحتفاظ بها سرا، وعلمت أنك اجتمعت أمس برؤساء تحرير الصحف المصرية وأنك حددت موعدا لمذيعة التلفزيون بربارا ولترز سيحل بعد نصف ساعة من الآن، وسوف تسألك قطعا عن موضوع استقالتي فماذا ستقول لها؟

 

وسكت قليلا ثم قال: سأقول لها أننا بلد ديمقراطي، وأن من حقك أن تبدي رأيك وتستقيل دون أن أضعك في معسكر اعتقال.

 

وقلت: شكرا، وكنت أهم بمفاتحته في موضوع عودتي إلى مصر وحدي بعد هذه المقدمة عندما سألني: وماذا تنوي أن تفعل الآن؟

 

قلت: لا شيء، سأذهب وأعيش مع عائلتي وولديّ اللذين لم أقم معهما منذ عشر سنوات بسبب وجودي في الخارج أثناء دراستهما في مصر، وقد كبرا وأريد أن استمتع بالمعيشة معهما قبل أن يأخذ كل منهما طريقه في الحياة ويستقل.

 

قال: اختر لك أي سفارة تريدها.

 

قلت: ليس لي رغبة في العمل سفيرا، فقد شبعت من ذلك.

 

قال: وتظل عاطلا بدون عمل – اختر أي سفارة الآن.

 

قلت: كيف تتصور أن أعين سفيرا لأنفذ سياسة أنا غير موافق عليها، ولا أستطيع أن أفعل ذلك بحال.

 

قال في غضب: ليس من الضروري أن تعمل شيئا، استرح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.