شعار قسم مدونات

ذكريات رمضان.. كيف أبعدتنا الغربة عن أحبابنا؟

A Muslim man prays before his iftar (breaking fast) meal on the first day of Ramadan in India, at the Jama Masjid (Grand Mosque) in the old quarters of Delhi, India, July 7, 2016. REUTERS/Adnan Abidi

منذ ستة أشهر تقريبا اضطررت للخروج من مصر، ورغم الشوق بين الحين والآخر، إلى بلدي وأهلي وإخواني، لكن في الحقيقة لم أشعر بألم الغربة والشوق كما شعرت به هذه الليلة وأنا استقبل شهر الخيرات، كانت هذه الليلة وغيرها من ليالي رمضان لها طعم وذوق مختلف، وأنت بين أهلك ووسط إخوانك، كانت فرحة الأشبال في أول صلاة للتراويح، وبهجة الأنوار، ومظاهر الفرح والسعادة تشعرك أن هناك عظيم قادم، نعم هذا معلوم من القرآن والسنة، لكن رؤية مظاهر استقبال هذا العظيم، لها وقع في النفس لا يمكن وصفه.

 

تذكرت تلك اللحظات التي نلتقى فيها بالإخوان، وتلك المواعظ التي لا يزال وقعها في القلب، تذكرت تلك الكلمات التي وفق الله أحد إخواني حين قال: أن السعادة لحظة كما أن الشقاء لحظة، فنظرة رضى من الله تأتيك في لحظة وأنت في عبادته تنجيك من غضبه، وتَظفر بها برضاه، كما أن لحظة غضب من الله وأنت على معصيته، كفيلة بهلاكك ودخولك النيران، فالتمسوا نفحات ربكم في هذه الأيام، وكانت هذه اللفتة لها دور بارز في تعاملي مع اللحظات والأوقات، وإن كانت للنفس هفوات وسيئات نرجو من ربنا لها الغفران والرحمات، وكيف به وهو ينقل فكرتي عن العبادة، وكنت أحب الخلوة في رمضان، فأراد أن ننطلق إلى موعظة الناس والصلاة بهم وحثهم على فعل الخير، فقلت له أحب أن اختلى بربى، فقال مستغربا: ومن يأخذ بيد الناس إلى ربهم، أتظن أن خلوتك هذه أفضل عند الله من هداية الناس؟

 

مثل هذه المواعظ من الأحباب افتقدتها هذه الأيام، ليس لقلة الواعظين، والمربين فهم كثرة والحمد لله، ولكن أين ذلك الأخ الذي يعرف منك مواطن الخلل، ومواضع الذلل، فيوجهك إلى علاجها، فهو الأبصر بك، الأعلم بما في قلبك، فهو الذى جالسك في حلقات الذكر، وهو الذى شاركك في ساحات العمل، وهو الذى شاركك لحظات فرحك وحزنك، فمن يعطيني ذلك الأخ؟

تذكرت رمضان رابعة وهو الذي لا ينسى مع طول العمر، كيف تجد الأخ يؤثرك على ما في يديه، ويطعمك ويسقيك، وإن لم يجد هو ما يسد به رمقه

تذكرت تلك الاوقات التي كنا نتزاور فيها مع الأهل والأحباب، تذكرت ساعدة الأم والأب ونحن نحلق حولهم مع أحفادهم على مائدة الإفطار أو السحور، تذكرت هذا الشعاع الذي يخرج من أعينهم فيصيب القلب بالنور والفرح، تذكرت تلك الضحكة التي خرجت من القلب ونحن صغار حين أعطيت أخي بعض التمرات، عند الأذان، فانتفض ورفض ذلك بشدة، معللا ذلك بخوفه من أن اخذ أجر صومه وهو لا! ظانا أنى بذلك أحرمه أجره.

تذكرت رمضان رابعة وهو الذي لا ينسى مع طول العمر، كيف تجد الأخ يؤثرك على ما في يديه، ويطعمك ويسقيك، وإن لم يجد هو ما يسد به رمقه، تذكرت تلك الصدعات بالحق التي خرجت من أفواه الصائمين، ضد الظلم الذي لحق بهم، تذكرت هؤلاء الشهداء الذين أعادوا في الذاكرة مشاهد التضحية والبطولة في صومهم، بعد أن ترسخ في الأذهان أن رمضان للراحة والسكينة.

تذكرت تلك الصلوات في مساجد القاهرة، والتي كان لكل مسجد منها مذاقه الخاص، فقد أحببت المساجد الأثرية، وكنت أشعر فيها براحة عجيبة، فكنت أتنقل بين مسجد عمرو والجامع الأزهر ومسجد السيدة نفيسة والسلطان حسن، وكل مسجد أشعر فيه بعبق التاريخ، تذكرت تلك الليلة التي جمعتنا في مسجد عمرو بن العاص وهو مزدحم بالمصليين، وكم هي المتعة التي تشعر بها وانت تسجد في موضع سجد فيه الصحابة الكرام، فكنت التمس عدة مواضع في المسجد لعلني أسجد في مكان سجد فيه صحابي جليل.

تذكرت كل هذا ودمعت عيني، وازداد الشوق إلى بلدي، ولم يسكن هذا الألم، إلا عند تذكري لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وامتثلت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقلت "اللهم حبب إلينا دور هجرتنا كحبنا لبلادنا او أشد".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.