شعار قسم مدونات

الديمقراطية والشورى.. أيهما أقرب للإسلام؟

blogs قرآن الدولة الإسلامية، الصحوة

لا تزال الديمقراطية من المواضيع الجدلية بين أوساط المسلمين منذ مائة سنة حتى هذا اليوم وكانت سببا في انقسام المسلمين بين مؤيد ومعارض له والخلاف في هذا الموضوع لم يكن خلافا فقهيا وإنما كان خلافا عقديا ما بين متشدد في الموضوع ومحارب للديمقراطية متهماً من يقول بها بالكفر أو الفسق وبين من يدعو إلى الديمقراطية بتفاصيلها وبين من يدعو إليها باعتبارها شكلا من أشكال الشورى. إن الحديث عن الديمقراطية والأخذ بها وهل هي تتعارض مع النظام السياسي في الإسلام أم لا تتعارض معه موضوع يحتاج إلى النظر به بعيدا عن التشنجات والأخذ والرد لذلك لا بد لنا أن نؤكد على عدة نقاط متفق عليها في النظام السياسي الإسلامي:

أولا: الإسلام جاء بأهم قاعدة من قواعد الحكم السياسي على الإطلاق وهي قاعدة الشورى في الإسلام وأمر بها وسمى سورة كاملة بالشورى والشورى هي نقيض الاستبداد والدكتاتورية والاستئثار بالرأي فالشورى فريضة والاستبداد حرام قطعاً.

ثانيا: إن الشريعة الإسلامية جاءت لتحرير الإنسان من العبودية والرق وظلم الحكام والحرية هي من أهم المقاصد في الشريعة الإسلامية ونجد مراعاة هذا المقصد في جميع أحكام الشريعة الإسلامية فقد دعت الشريعة الإسلامية لتحرير الإنسان من ظلم الحكام إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن الظلمات إلى النور ومما يؤكد على أهمية الحرية في الشريعة الإسلامية جعلت الاجتهاد بالرأي المصدر الثالث من مصادر الشريعة الإسلامية بعد الكتاب والسنة.

الديمقراطية كممارسة تختلف من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان فالديمقراطية في بريطانيا تختلف عن الديمقراطية في أمريكا وتختلف عن الديمقراطية في فرنسا

ثالثا: الشريعة الإسلامية لم تكن شريعة منغلقة جامدة على نفسها كالشريعة اليهودية بل كانت رسالة لجميع البشر والإنسانية وليست حكرا على أقوام أو أعراق بذاتهم وفي سيل ذلك كان العرف وهو ما تعارف عليه الناس مصدرا من مصادر التشريع فقال تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وفي سبيل ذلك دعا الإسلام إلى الاستفادة مما جاءت به البشرية من علوم وتطور وتقنيات وتكنولوجيا ومعارف وخبرات فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بفكرة الخندق وهي فارسية وهذا عمر بن الخطاب يأخذ بفكرة الدواوين وهي فارسية وهؤلاء هم المسلمون الفاتحون عندما دخلوا إلى بلاد الشام والعراق ومصر استفادوا من الحضارات التي كانت موجودة فلم يهدموها ولم يخربوها وإنما تعاملوا معها وأكبر دليل على ذلك الآثار التي نراها في هذه البلاد وعمرها آلاف السنين بل لم تورث عندهم مشكلة حتى يتناقشوا بها أو تكون مثار جدل بينهم ولا يزال المسلمون إلى يومنا هذا يستفيدون من التقنيات المعاصرة التي قدمتها البشرية على الصعيد العسكري والاقتصادي والخدمي.. فهذه القواعد متفق عليها بين جميع المسلمين ولا خلاف فيها.

أما بالنسبة للديمقراطية والقواعد التي سارت عليها لا بد أن نؤكد على عدة نقاط:
الأمر الأول: جوهر الديمقراطية المعاصرة تقوم على الحرية ومحاربة الاستبداد بل يعد السبب الرئيسي للديمقراطية هو محاربة الاستبداد.

الأمر الثاني: الديمقراطية كممارسة تختلف من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان فالديمقراطية في بريطانيا تختلف عن الديمقراطية في أمريكا وتختلف عن الديمقراطية في فرنسا بالرغم من وجود قاسم مشترك وهو حرية الفرد ومقاومة الاستبداد لكن ممارستها وآلياتها ووسائلها تختلف باختلاف طبيعة البلاد والشعوب ومن يمارسها.

الأمر الثالث: الديمقراطية لا تعني الحرية المطلقة بدون ضوابط أو قيود ومن يتصور بأن الديمقراطية حرية مطلقة فتصوره خاطئ بل يوجد ثوابت في كل بلد وبين الناس اتفقوا عليها ولم تغير الديمقراطية من هذه الثوابت فمثلا في بريطانيا وهي تعتبر من أعرق البلاد ديمقراطيا يوجد عندهم ثوابت لا تقبل النقاش فالملكة لا تزال موجودة ومجلس اللورادت لا يزال موجودا واللغة الإنكليزية لا زالت موجودة وهذه الأمور لا تقبل النقاش والتصويت وكذلك الأنظمة التي تتخذها البلدان كالنظام العلماني وفصل الدين عن الدولة هذه من الأمور التي لا تقبل النقاش بها فلا يمكن القبول بفكرة النقاش في الخروج عن النظام العلماني مثلا في فرنسا أو إدخال الصبغة الدينية إلى أجهزة الدولة.

بما أن جوهر الديمقراطية هو الحرية وبما أن فلسفتها تختلف من ثقافة إلى أخرى فلا مانع من أنن تكون عند المسلمين ديمقراطية تعتمد على الثقافة الإسلامية
بما أن جوهر الديمقراطية هو الحرية وبما أن فلسفتها تختلف من ثقافة إلى أخرى فلا مانع من أنن تكون عند المسلمين ديمقراطية تعتمد على الثقافة الإسلامية
 

إن من يتخوف من الديمقراطية ويعارضها يرى أنها سبيل لتحكيم الشعوب وقد يؤدي تحكيم الشعوب إلى تحكيم شرع غير شرع الله وهذه هي الركيزة الأساسية للرافضين لها وهنا لا بد لنا من الوقوف على نقطتين:

أولا فكرة أن يحكم الشعب نفسه بنفسه هي فكرة إسلامية أصيلة فالأمة هي التي تملك السلطة وهي التي تختار حاكمها وهي التي تعزله بوجود من يمثلها وهم أهل الحل والعقد أو بشكل مباشر والفهم الخاطئ لهذه الفكرة أدى إلى تصور مغلوط عند الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه لأنه حكم الرجال في أمر الله مستدلين بقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) فناقشهم في هه النقطة بأن الله حكم الرجل بقوله تعالى (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا) وقوله تعالى (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ) ثم قال هذه كلمة حق أريد بها باطل.

أما النقطة الثانية وهو أن تحكيم الشعب قد يؤدي إلى تحكيم غير شرع الله فهذا بسبب تصور خاطئ عن الديمقراطية فالديمقراطية لا تعني الحرية المطلقة كما أوضحنا وفلسفة الديمقراطية ليست أمرا متفقا عليه بين جميع الدول والحضارات والثقافات والشعوب بل وجدنا أن عددا من الدكتاتوريين يدّعون بأنهم ديمقراطيون ويحافظون على هذا النظام في البلد وهم أبعد ما يكونوا عن الديمقراطية. وبما أن جوهر الديمقراطية هو الحرية وبما أن فلسفتها تختلف من ثقافة إلى أخرى فلا مانع من أن تكون عند المسلمين ديمقراطية تعتمد على الثقافة الإسلامية وتستند إلى الأسس الإسلامية.

قد يثور إشكال آخر عند المحاربين للديمقراطية هو إن أردنا أن تكون لنا ديمقراطية تستند إلى الأسس الإسلامية فلماذا نسميها ديمقراطية ولماذا لا نضع اسما إسلاميا لها والجواب على هذه النقطة أن الإسلام لا يقف كثيرا عند المصطلحات ولم يبدل من المصطلحات الوافدة إليه من حضارات أخرى بل كان حريصا على تسمية الأمور بمسمياتها وبما أن الديمقراطية كمصطلح أصبح هو المصطلح الرائج بين عموم الناس وأن هذه المصطلح هو الذي يعبر عن الحرية وأن ضد هذا المصطلح هو الاستبداد ولا ثالث لهما اليوم في لغة السياسيين والشعوب فنظام الحكم المعاصر إما أن يكون ديمقراطيا أو استبداديا ولا ثالث لهما اليوم فلا مانع من استخدام هذه التسمية لأن الديمقراطية هي أقرب للإسلام من الاستبداد. بقي أمر أخير لا بد من التنبيه إليه هو أننا عندما نتكلم عن الديمقراطية لا نتكلم عن مصطلح ثابت لا يتغير بل ربما يتغير الزمان وتتغير المصطلحات السياسية ومثل هذه الأحكام مرنة تقبل التغيير والتبديل فهي من الأحكام التي تتغير بتغير الزمان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.