شعار قسم مدونات

المدرسة الإلهية.. ماذا يعلمنا رمضان؟

مدونات - رمضان
رمضان الشهر المبارك الذي بلغت بركته كل الأماكن وكل الأزمنة وكل الناس المسلم منهم وغير المسلم، فهو شهرٌ يتميز عن باقي الشهور ليس فقط بما يحمله من نفحاتٍ إيمانية وشعائر دينية بل هو بركةً اجتماعية لما يحمله من عادات وتقاليد اجتماعية تنشر المحبة وتقوي الروابط الأسرية والاجتماعية بين أفراد المجتمع، كما أنَّهُ بركةً اقتصادية لما يحلمه من بركةٍ وزيادةٍ في حركة وإنتاج الكثير من الأعمال والمهن في المجتمع. لذلك كان شهر رمضان شهرٌ مميز على كافة الأصعدة، وموضوعنا الجوهري والأساسي هو المدرسة الرمضانية الشاملة التي تعلمنا الكثير الكثير من الدروس والعبر وتزرع في نفوسنا العديد من الفضائل والأخلاق ليس فقط على المستوى الديني بل كما قلنا سابقاً أيضاً على المستوى الاجتماعي والأخلاقي حتى على المستوى الاقتصادي والصحي.
 

وعلى هذا سأسرد بعضاً من هذه الدروس والعبر في هذه التدوينة مبتدأً كل درسٍ أو عبرة بعبارة (يعلِّمنا رمضان)، وستكون دروساً على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي أكثر من كونها على المستوى الديني، فكلنا أو أغلبنا بتنا نفقه الحكمة والمقصود الشرعي من الصيام، ولكن قلة من هم فقهوا المقصود والهدف الأخلاقي والتربوي من رمضان عموماً ومن الصيام خصوصاً.

 

فبداية يعلمنا رمضان أن نكون منظَّمين في حياتنا دقيقين في مواعيدنا مقدِّرين لأوقاتنا مستغلِّين كل ساعةٍ بل كلَّ دقيقةٍ وثانيةٍ في حياتنا للقيام بكل ما يعود به النفع على أنفسنا ومجتمعاتنا. فالصائم الذي يمسكُ عن الطعام عند أذان الفجر وبأول كلمة الله أكبر ولا يتجرأ أن يستمر في طعامه ولو للحظات، ويفطر عند أذان المغرب وهو جالسٌ على مائدة الإفطار ينتظر الأذان وهو يعدُّ الثواني والدقائق ولا يمكنه أن يفطر قبل الأذان ولو بدقيقة أو ثانية، لا يمكنه بعد ذلك وبعد دخوله في مدرسة رمضان أن يخلف في وعوده ومواعيده مع النَّاس ولا يمكنه أن يدرك أهمية الوقت في حياته.
 

علمنا رمضان أنَّ الجمعيات والحركات والمشايخ الذين يجتمعون على موائد الإفطار تلبيةً لدعوات المسؤولين ورؤساء دولهم كان الأولى لهم أن يجتمعوا تحت كلمة واحدة لنصر قضايا الأمة

فالتاجر الذي صام رمضان وهو يحترم ويلتزم بمواقيت الإمساك والإفطار كيف له بعد ذلك يكذب في تجارته مع الناس ويخلف في مواعيد تسليم بضاعته وفي بيعه وشرائه. كذلك الحرفي الذي يوعد النَّاس بتسليمهم حاجاتهم وانتهاء ورشهم في وقتٍ محدد ثم بعد ذلك تراه يخلف في وعده ويتأخر اليوم واليومين بل ربما لأسابيع وأشهر، فماذا استفاد هذا الحرف من صيامه؟! وغيرهم الكثير من الأمثلة على كافة الأصعدة والمستويات والمهن، فكل فردٍ هو أعلم بمهامه وواجباته وما يتوجب عليه ليكون صادقاً أميناً في عمله.

كذلك يعلِّمنا رمضان أنَّ من التزم بمواقيت الإمساك والإفطار التزاماً دقيقاً بات قادراً لأن يلتزم بالنظام العام في الطرقات والتقيد بإشارات المرور، واحترام الدور لتخليص المعاملات في المؤسسات والدوائر الرسمية من غير أن يتجاوز كل النَّاس بغير أدب واحترام معتمداً على قوة واسطته ومعارفه. يعلمنا رمضان أنَّ العائلة التي اجتمعت على مائدةٍ واحدة لأجل الطعام قادرة بل يجب عليها أن تجتمع على المصلحة العليا للعائلة وأن تتوحد بالأمور المصيرية التي هي أهم من الطعام والشراب.

كذلك يعلمنا رمضان أنَّ الجمعيات والحركات والمشايخ الذين يجتمعون على موائد الإفطار تلبيةً لدعوات المسؤولين ورؤساء دولهم وبلادهم رغم اختلاف مدارسهم ومذاهبهم كان الأولى لهم أن يجتمعوا تحت كلمة واحدة لنصر قضايا الأمة المصيرية والحساسة متناسين اختلافاتهم وخلافاتهم.

 

يعلمنا رمضان أنَّنا كما استطعنا أن نتخلَّى عن الطعام والشراب اللذان يشكلان أهم أسباب العيش واستمرار حياة الإنسان، فإنَّنا قادرين على التخلِّي عن ما هو أدنى وأسهل من ذلك كالتدخين والمخدرات والخمر والميسر والمراهنات وكل ما يضرُّ بصحتنا وحياتنا الاجتماعية والاقتصادية، فمن تخلَّى عن الطعام والشراب لن يعجزه التخلي عن هذا الأمور.

   undefined

  

يعلمنا رمضان أنَّنا كما اجتمعنا وتوحدنا للصلاة خلف إمامٍ واحدٍ في مسجدٍ واحد على اختلاف أعمالنا وثقافاتنا ومراكزنا ومناصبنا فإنَّه يتوجب علينا أن نجتمع دائماً خلف علمائنا ومسؤولينا الصادقين المخلصين لأمتهم ووطنهم ومجتمعهم لننهض بأمتنا ومجتمعاتنا وتصبح أحوالنا بأفضل حال وأرقى المستويات.

 

يعلمنا رمضان أنَّ من جاهد نفسه واستيقظ في وقت السحور من فراشه وهو منهكاً متعباً لأجل أن يملأ بطنه بالطعام والشراب قادرٌ على أن يستيقظ لصلاة الفجر طاعة لربِّه من غير أن يتحجَّج ببعض الحجج والأسباب الواهنة. يعلمنا رمضان أنَّنا كلَّما شعرنا بالجوع والعطش أن نتذكر الفقراء والمساكين الذي لا يجدون طعاماً يشبع بطونهم وشراباً يروي ظمأهم على مدار السنة وليس فقط في رمضان أو بسبب الصيام، فتدفعنا هذه التذكرة للمبادرة إلى فعل الخير ومساعدة المحتاجين.

 

يعلِّمنا رمضان أيضاً أنَّنا كما استطعنا وحرصنا على غض البصر عن المحرمات والعورات والشهوات فإنَّهُ بإمكاننا ومن باب أولى أن نغضَّ من ابصارنا عن عورات النَّاس وعيوبهم وننشغل بإصلاح عيوبنا، كذلك بإمكاننا بل من واجبنا أن نغضَّ الطرف عن أخطاء وعيوب أحبابنا لنحافظ على علاقتنا وصداقتنا كي لا نندم حينما نخسر من نحب بسبب عنادنا وعدم تجاوزنا عن أخطاء وعيوب من نحبّ في وقت لا ينفع فيه الندم. يعلمنا رمضان أنَّ من استطاع وحرص أن يحفظ لسانه عن اللعن والشتم وهو صائم حفاظاً على صيامه بات قادراً أيضاً على حفظ لسانه عن أذية النَّاس واستغابتهم ونشر الفتن والكذب والشائعات بين الناس ليحافظ على دينه وحسناته. يعلمنا رمضان أنَّ من استطاع حفظ شهوته وفرجه حتى بالحلال وعن زوجته طاعة لربِّه وحفاظاً على صبامه أصبح من السهل عليه أن يحفظها في غير رمضان عن الحرام.

 
وهذا غيضٌ من فيض ولو بقينا نتكلم عن مدرسة رمضان لاحتجنا لمقالات ومقالات وليس مقال واحد، ولكن إنَّما هي بمثابة إشارة لنا لنتفكر بهذه العبر والحكم وغيرها الكثير الذي يمكن لجميعنا أن يستنبطها خلال حياته في رمضان. فليبدأ كلُّ واحدٍ منَّا بالبحث عن مفاتيح الخير والنفحات الربانية الموجودة في رمضان وليحرص على تطبيقها ليخرج من شهر رمضان إنساناً جديداً نقياً قد حاز وفاز على خيري الدنيا والأخرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.