شعار قسم مدونات

قُبلة بنكهة رمضانية

مدونات - طفلة تحمل فانوس رمضان

ما إن تبدأ طقوس الضيف الرمضاني، حتى تنتشي الروح وترتقي إلى مدارج من النور، لتشعر بعدها أنها في معية ضَيف قد لا يتكرر قدومه عليها، فَتقف الروح متأملة المشهد، وبداخلها لهفة لأن تنهل من خَيرات هذا الضَيف، لعلها تحتضن نفسها، وتبدأ بتقبيل صفحات تلك الأيام ما استطاعت..

 

فقُبلة على جبين امرأة قَضت يومها في المطبخ، تبذل من طاقاتها وجهدها ووقتها، تمسح ما تصبب من عرقها، دون أن يلحظ أحد ذلك، من أجل أن ترتسم ابتسامةً، على شفاه الصائمين آخر اليوم، مُتخلية عن بعض الروحانيات التي تشتهي مُمارستها في هذا الشهر من أجلنا، فياليتنا نُقدر ونعلم أن كَلمات الشُكر لا تفي ما تقوم بِه، ولكنها قد توصل لَها رسالة أن هُنالك من يُقدر.

  

قُبلة على جبين مَيتٍ تُرك مقعده فارغاً على مائدتنا، نحاول استحضار صوت ضحكاته، والتكهن فيما سيقوله في هذا الموقف، فيبقى المقعد مُشاركاً لنا بِكل إفطار وتبقى غصة فقدانه على كُل مائدة تُوضع، ويبقى اسمه حاضراً بين كلمات دعائنا.

 

قُبلة على جبين رَجل، يُحاول أن يُدخل روحانية الشهر إلى قلوب أطفاله، ويعلمهم قيمة استقبال هذا الضيف الكريم، يَزرع في أنفسهم حُب آيات القُران، وطقوس هذا الشهر، ويزرع في أنفسهم أن ليس هُنالك أجمل من العبادة كما أمِرتْ، بالطريقة التي يشتهيها ويتلذذ بها قلبك فيما بعد، مخبراً إياهم أن طريق الله إليك، لا تدع أحدا يرسمه لك.

 

قُبلة للمهجرين عن أوطانهم، الحالمين بإفطار واحد في بيوتهم القديمة، وقُبلة على جباه الُبسطاء، على قلوب المُكافحين الذين كان أكبر هَمهم أن يعيش أطفالهم هذا الشهر مثل بقية أطفال العالم

قُبلة على جَبين من عاش معنا أول رمضاناتنا، أولئك الذين كانوا يُحدثوننا عن ذلك الضيف، فتفيض عباراتهم بالبهجة، ونحس معها أن في داخل كُل منا رَمضان، نَصوم فيه عن الحُزن متى ما رأينا الهلال مرسوماً على شفاههم.

 

قُبلة للبريق في عيون الأطفال لدى سماعهم لصوت الآذان، وقبلة لجبين ذلك الذي راح يُردد آيات القرآن بعد أن نام الجميع بَعد الفجر، قُبلة للأيام التي تحاول عناقنا قَبل أن ترحل عنا فلا تَجدنا في المرة المٌقبلة جُلوساً مُستقبلين لها، وقبلة على جبين المحزونين البائسين، المكسورين الذين شعروا بأن رمضان هو أفضل محكمة بإمكانهم من خلالها أن يُدلوا بشهاداتهم، وضيم ما حدث لقلوبهم، ويناجوا قاضي السماء، في ليالِ تفتح فيها أبوابها لاحتضان بوحهم.

 

قُبلة للتفاصيل الموجودة في المناطق المعتمة في قلوبنا، وأتى رمضان يحمل فوانيسه مُحاولاً اكتشافها فينا بنوره، للتفاصيل الموجودة في بحة صوت مؤذن المغرب في نهاية الآذان، للتفاصيل الموجودة في صَفحات مُصحف تحاول كل كَلمة فيه أن تعانق عينك، لتسمح لها بالدخول إلى قَلبك ومد بساطها لتجلس فيه، قُبلة لاستغفارات الأسحار التي تنتظر أن يُستجاب لها، وللأماني التي تنتظر أن تتحقق، قبلة للأرواح التي تخشى أن يكون هذا هو رمضانها الأخير، قبلة لأدعية الأمهات قَبل أن يبتل ريقهن، ولصوت المُسحر بداخلنا يقول لنا استيقظوا قَبل فوات الآوان.

 

قُبلة للمهجرين عن أوطانهم، الحالمين بإفطار واحد في بيوتهم القديمة، وقُبلة على جباه الُبسطاء، على أرواح المُنافحين عن لقمة عيشهم، على قلوب المُكافحين الذين كان أكبر هَمهم أن يعيش أطفالهم هذا الشهر مثل بقية أطفال العالم، إلى أولئك نقول ذهبت همومكم وابتلت عُروق سعادتكم وثبت جمالكم ان شاء الله.

 

قُبلة على أسوار القدس الشَريف وعلى جباه مرابطيه، على جباه أصحاب القضايا التي لا تموت، قبلة على أبواب السفارات داخل مدن الانسانية في قلوب البشرية، قُبلة على خدّ تلك الحسناء، التي تحضر معنا في دعائنا على كل مائدة.

 

قُبلة على جبين فلسطين

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.