شعار قسم مدونات

نصائح لطلاب الثانوية.. لا تتفاجأ بالمطبات القادمة!

مدونات - طالب رجل شاب يمشي

أيها التلميذ المتفوق في امتحان البكالوريا، أهنّئك أولا على نجاحك في هذه الشهادة التي تبقى قيمتها عالية لدى من يقدّرون العلم ويبذلون كل ما لديهم في سبيل تحصيله، لكن بودي أن أسديَ لك بعض النصائح لعلك تأخذ بها حتى لا تتفاجأ بالمطبات التي قد تواجهك لاحقا.

 

إني أدرك جيدا أنك تعبت وأتعبت معك أهلك ولا سيما والدتك الكريمة وهذا بعد سنوات -و ليس سنة واحدة فقط- من الجدّ والسهر وبذل الجهد والمال وربما الصحة أيضا من أجل نيل شهادة البكالوريا وكان لك ما أردت فشعرتَ بالفرح والسرور وأسعدتَ الأم الحنون، نعم لقد أدخلت البهجة في نفسها فأصبحَتْ تفتخر بك أمام الأقارب والجيران، وصرت أنت تتلقى التهاني من أصدقائك ومن أفراد عائلتك الكبيرة، لا ننس أيضا أن بعض المقربين منك لم يسعدهم نجاحك بقدر ما أدخل الحسرة والأسى على قلوبهم، ليس لأنهم يبغضونك أو يحسدونك بل ربما بسبب فشلهم أو فشل ابنهم أو ابنتهم حيث نجحتَ أنت، على كل حال، أنت الآن تشعر بفرحة عظيمة لأنك تعتقد أنّ مستقبلا زاهرا ينتظرك وأنّ أبواب الخير كلها ستُفتح أمامك، نعم هكذا أوهمونا، لقد نجحوا في ترسيخ هذه الفكرة في عقولنا ونحن صغار.
 
أيها التلميذ، ستلج الجامعة وتصبح طالبا لتبدأ المتاعب والصعاب تواجهك، ستُوجّه نحو اختصاص لم تختره ولا ترغب فيه فتجد نفسك تتجرع مرارة القيام بأمر وأنت له كاره لتكون حالتك أشبه بحالة الجندي الذي فُرض عليه إنجاز أشغال شاقة بسبب عصيانه لأمر ما أو خرقه للقانون الداخلي للجيش، لكنك لم ترتكب هذا ولا ذنب لك فيه، قد تصادف في الجامعة رفقاء السوء فيجرونك معهم إلى مستنقع الفساد والمعاصي ولن تعود ذلك الإنسان الطيب الذي يُضرب به المثل في الاستقامة وحسن الأخلاق، ولكنني لست قلقا على هذا الأمر كثيرا لأنك لن تسمحَ لنفسك بالوقوع في تلك المتاهات بسهولة وستحافظ على شخصيتك وقيمك التي نشأتَ عليها.

 
ستشعر بالأسى أكثر عند رؤيتك لأناس رسبوا في دراستهم لكنهم يعيشون حياة سعيدة وهنية وأنت الذي كنت تعتقد بأنك أعلى منهم منزلةً بتفوقك عليهم في طلب العلم

أيها الطالب، قد تنتقل إلى مكان بعيد عن بيتك العائلي من أجل دراسة التخصص الذي اخترته فتكون مجبرا على الإقامة بالحي الجامعي رفقة طلبة آخرين، وهنالك ستجد ظروف الإيواء قاسية إذ أنّ الغرف ضيقة وغير مريحة والطعام قليل وغير صحي في بعض الأحيان، ومع كل هذا، فإنك تتقبل الأمر وتتحمل المشاق في سبيل تحصيل العلم ونيل الشهادة الجامعية أما إذا كنت من عائلة ميسورة، فإنه بإمكانك توفير شيء من الرفاهية لنفسك ومن ثَم التخلص من مشكلة ظروف الإقامة لتبقى مركزا على الدراسة فقط.

أيها الطالب، بعد مرور سنوات قليلة، تنجح في إتمام دراستك لتنالَ شهادة جامعية فتفرحَ مرة أخرى وتُدخلَ البهجة في نفوس أهلك وأقاربك، نعم، فقد أصبحت تحمل لقب مهندس، محامي أو بكل بساطة، جامعي، وكثيرون من يحلمون بحمل ذلك الصنف من الألقاب ويتمنون أن يكونوا مثلك، سيتحدثون عنك كثيرا في جلساتهم مع اختلافات في مشاعرهم فمنهم من يفتخر بك ومنهم من يعتبرك ذا شأن عظيم، ويوجد أيضا من يحسدك ويبغضك على نيلك لتلك الشهادة.

أيها الطالب، لم تعد طالبا وأصبحت تبحث عن وظيفة تبتغي من خلالها رزقا حلالا طيّبا، ستلتحق بطابور طويل من طالبي العمل وهنا حكاية أخرى، ستكتشف أمورا لم تكن تخطر على بالك من قبل. ستتعب كثيرا من أجل البحث عن الوظيفة التي تريدها، إذ أنك تحاول الاستنجاد بمعارفك وتطلب منهم التوسط لك حتى تنالَ منصبا، ثم تنجح في ذلك بعد عناء طويل فتتنفس الصعداء وتظن أنك تخلصت من متاعبك وإحباطاتك. بعد الشروع في العمل تجد نفسك في دوامة، حيث كثيرا ما تبقى تنتظر وقت نهاية دوامك بفارغ الصبر ليس لأنّ لك انشغالات بل بسبب الملل الذي يصيبك في مقر العمل، ستشعر أيضا بأنك منقوص الحرية خاصة إذا كان مديرك متسلطا حيث لا يجد حرجا في استعبادك مقابل أجر زهيد، ستكتشف كذلك بأنّ أجرتَك يمكن لأي عامل بسيط أن ينالَ مثلها أو أحسن منها بل ستجد بأنه كان بإمكانك امتهان أية مهنة أخرى من دون حتى أن تدرس وهنا ستتحسر أكثر على تلك السنوات التي قضيتها في الجامعة من أجل ماذا؟ من أجل أن تعيشَ محبطا، متحسرا ومتوجسا، ستشعر بالأسى أكثر عند رؤيتك لأناس رسبوا في دراستهم لكنهم يعيشون حياة سعيدة وهنية وأنت الذي كنت تعتقد بأنك أعلى منهم منزلةً بتفوقك عليهم في طلب العلم.
 
أيها التلميذ، لست هنا لأثبطَ عزيمتك وإصرارك على النجاح في البكالوريا، فأنت حرٌ ولك ما تريد ولكن عليك ألا تظنَّ بأنّ طلبَ العلم مفتاح للاسترزاق والإثراء والعيش الرغيد كما يتوهم بعض الناس أو كما كانوا يلقّوننا إياه للأسف، إنما طلب العلم هو من أجل المعرفة، الاستكشاف والإبداع ليعودَ ذلك بالإيجاب على البشرية، كما أنني لا أقلل من قيمة العلم والعلماء بل بالعكس، فأنا أدعو كل من هو على استعداد إلى الإقبال على المعرفة عسى أن ينتفعَ بها وينفعَنا معه، والله ولي التوفيق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.