شعار قسم مدونات

هل يجوز الحديث عن زفاف الأمير هاري في رمضان؟

blogs الأمير هاري

نغسل قلوبنا في شهر رمضان المبارك من ملذّات الحياة نصلّي، نصوم، نتقرّب من لله راجيين غفران ذنوبنا وعتق رقابنا من النّار، هي نفحات روحانية ننتظرها بشغف وأبداً ليس هناك راحة وطمأنينة كما نعيشها في 30 أو 29 يوما من رمضان. وأنا أكتب هذا المقال عن زفاف الأمير هاري حفيد الملكة إليزابيت الثانية، خطر على بالي أنّه سيتم مهاجمتي لأنّي شغلت وقتي بما لا ينفع، في الوقت الذي كان يجب أن أنعزل في صومعتي بعيدا عن القيل والقال.

ما دفعني في الحقيقة إلى كتابة هذه السطور هو الملاحظات الإيجابية التي يجب الإشارة إليها وإسقاطها على مجتمعاتنا المتخلفة، وشهر رمضان لا يعني الابتعاد عن الحياة، فيه الفرح كما الحزن فيه الجدية كما المزاح، والتعرّف على الجديد الحاصل في العالم يعني ثقافة وتواصل، ومن الفوائد التي استخلصتها من زواج الأمير هاري وميغان ماركل، ما يلي:

هناك دائما نافذة أمل للمطلّقات:

"بغض النظر عن الديانة، الوظيفة وكل التفاصيل التي لا تهمنّي فلكل شخص الحرية في الدين والمعتقد"، ما لفتني أنّه يمكن للمرأة المطلقة أن تبدأ حياتها من جديد، قد تتزوج من أمير أي ليس شخص من عامة الشعب، أو حتى لو كان ذا منصب مهم، فلن يكون بذات مواصفات العائلة المالكة، والفائدة التي يجب أن تستقيها مجتمعاتنا العربية المريضة أنّ المرأة حينما تنفصل عن زوجها الأوّل فذاك لا يعني نهاية العالم، كما لا يعني وأدها والإغلاق عليها بسبع مفاتيح حتى لا تجلب العار للأسرة، هي على قيد الحياة ومن حقّها أن تعيش وبما أنّها إنسان له عقل وقلب فستنجح وتفشل والطلاق بداية جديدة أيضا.

فارق السن ليس برادع للحب:
في مجتمعاتنا من تصل إلى سن الثلاثين ولا تتزوج تعتبر عانسا، يبدأ من حولها في رمي نظرات الشفقة، حتى أنّها تتأثر بأقاويلهم وتغلق على نفسها

يبلغ سن الممثلة الأمريكية ذات الأصول الإفريقية ميغان ماركل -36 سنة- وهي بذلك تكبر الأمير هاري -33 سنة- بثلاث سنوات، هذا الأمر لم يشكّل عائقا أمام حبهما الذي توّج بالزواج بمباركة من الملكة إليزابيت التي كتبت في رسالتها: أعلن موافقتي على زواج حفيدي الحبيب الأمير هنري تشارلز ألبرت ديفيد ويلز، على رايتشل ميغن ماركل.

لكن في مجتمعاتنا لو حدث أن كانت المرأة أكبر من الرجل ولو ببضعة شهور قامت الحرب، لماذا يتزوج منها والبنات أكثر من شعر الرأس، فقط أشر بإصبعك وسيأتينك ركضًا، ببساطة الحب عندنا مرهون بشهادة الميلاد، وإن تمّ الزواج عاشت تلك العروس أياما سوداء فالآتي والذاهب يرمي كلمات جارحة ببساطة نصنع الحواجز من كل شيء.


سن الثلاثين لا يعني النهاية:

في مجتمعاتنا من تصل إلى سن الثلاثين ولا تتزوج تعتبر عانسا، يبدأ من حولها في رمي نظرات الشفقة، حتى أنّها تتأثر بأقاويلهم وتغلق على نفسها، تقلّل من الاهتمام بنفسها والمشكلة العويصة إن كانت ماكثة في البيت حينها تتحول إلى خادمة، وإن كانت عاملة تخرج كل يوم لن تسلم أيضا من قول:" ماذا تحسبين نفسك دون حكم تخرجين باكرا وترجعين متأخرة، هذا كله لأنه ليس لديك زوج يتحكم فيك ويستر عرضك".

نعم نحن من نحطّم بعضنا، ونتناسى بأنّ الكلمة الطيبة تداوي والكلمة الجارحة تنخر الآلام، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: الكلمة الطيِّبة صدقة، فقط لو نجمِّل كلماتنا وعوض أن نغرس الحزن والتشاؤم نبعث بالأمل والسعادة، فقط لو نتأدب ونتعلّم فنون الكلام وإن عجزنا عن قولٍ طيب نصمت وكما في قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. سورة إبراهيم الآية 24.

لكن لا حياة لمن تنادي فكلّ من تدخل الثلاثين ستعاني، لكن لماذا لا نرى الجانب المشرق فالمرأة في هذا السن يزداد جمالها ليس الشكلي فقط، حتى أنّ تفكيرها ينضج، تكون مسؤولة أكثر ومستعدة للتضحية وتقاسم مصاعب الحياة مع شريكها، هو ليس بتعميم فهناك من هنّ أقل سنا وأرجح عقلا، لكن في الأغلب الفتيات في بداية العشرينات وأقل من ذلك ينظرن إلى الزواج على أنّه تبادل لكلمات الحب، سفر وتناول للوجبات السريعة، خاصة في ضوء ما تصوّره وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، لكن الأمر أعمق من ذلك، والرفاه لا يعيشه الجميع.

 لا يزال تفكيرنا محدودا، فشبابنا مشغول بإيجاد وظيفة تحميه من التسوّل، يحلم بفتاة تشبه باربي تحمل تفاصيل الآلة تطبخ وتنظّف وتصمت حين النقاش
 لا يزال تفكيرنا محدودا، فشبابنا مشغول بإيجاد وظيفة تحميه من التسوّل، يحلم بفتاة تشبه باربي تحمل تفاصيل الآلة تطبخ وتنظّف وتصمت حين النقاش
 
مظاهر الترف لا تعني حياة سعيدة:

تزوج الأمير هاري بالرغم من أنّ تكاليف الزفاف خيالية، وهو أمر عادي بالنسبة للعائلة المالكة، لكن الملاحظ أنّ المراسيم لم تكن بذات الصخب الذي نراه في حفلات أعراس الحكام العرب، كان كل شيء بسيطا مع أناقة طاغية، صحيح أنّ هذا لا يعني حياة زوجية سعيدة واستمرارية، لكن لو نظرنا إلى جوانب أخرى كتقبل الآخر رغم فارق السن، بالإضافة إلى غياب العنصرية والتعصب للأصل _أمريكية من أصول إفريقية_، فالحب هنا واضح: يعني من ناحية ما طغت المشاعر. وعليه تبقى أمور الغنى وحياة البذخ خاصة لا تعمم، والأيام القادمة ستحمل التفاصيل لكلّ من يهتم بمعرفة ذلك.

حمل الزفاف الملكي الذي كان يوم السبت 19 مايو 2018 الكثير من المعاني الإنسانية الخفيّة، التي من الممكن ابصارها بعيدا عن المظاهر والترف، فالغنى الحقيقي يكمن في جمال الروح، في تقبل الآخر رغم اختلافه، والحب لا يعترف بالحدود أو الأصول، كما لا يصغي لفارق السن وهناك أمثلة كثيرة على ذلك تتجسد أيضا في الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت ترونيو التي تكبره ب 24 عاما، ما يعني أنّ السن لا يقف حاجزا أمام الإنجاز سواء على المستوى العام أو الخاص.

 

لكن للأسف لا يزال تفكيرنا محدودا، فشبابنا مشغول بإيجاد وظيفة تحميه من التسوّل، يحلم بفتاة تشبه باربي تحمل تفاصيل الآلة تطبخ وتنظّف وتصمت حين النقاش، صحيح ليس الجميع بذات الطبع، لكن الحقيقة تقال: نجح النظام، المجتمع الأسرة في الإبقاء على محدودية التفكير، لهذا نجد كبار السن في السلطة، وصغار السن واقفين تحت الجدران، تائهين في الطرقات يبحثون عن حل لمشاكلهم التي لن تنتهي حتى لو انتهت حياتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.