شعار قسم مدونات

ثلاثينية في أزمة نفسية!

BLOGS حجاب

جمليةٌ أنا أو هكذا أظن نفسي؛ وحتى أنني أبدو صغيرةً مقارنةً بثلاثينية، ولكني أُعاني مشكلةً ما لا أعرف جوهرها، إلا عندما تنتابني أعراضها في بعض الأحيان، شعورٌ بانفصالي عن واقع فتيات العشرين؛ ومحاولتي الحثيثة للتكيُّف بما لا يخدش مبادئي، -ولأكون دقيقة أتناساها أحياناً- حتى تذبذبي في بعض المظاهر الشخصية التي أبدو عليها، فتارةً أرتدي لباس العشرينيات وتارةً أهلع لأتمثَّل لباسًا يليق بمقامي وعمري، ورغم ذلك كثيراً ما أبدو منفصلةً حتى عن ثلاثينيات العمر، فحتى الآن قلّةٌ هي المحادثات التي تجذبني وكثيرةٌ هي المواضيعُ التي توقظ فِيَّ النعاس الشديد فأغرق في بحره، إلى أن تنكزني إحدى الممتعضات من سلوكي المشين هذا!

أبدو وكأنّني أعيش على جرفٍ هار، منطقةٍ رماديةٍ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وربما استطعت تشخيص حالتي ألا وهي الاغتراب النفسي، الضياع، تشتّت الهوية -أو غيرها! لا أعلم- لكن شخصيتي المرّكبة والمعقّدة والمُتفكِّرة تقودني دوماً إلى متاهاتٍ تُقَّربني أكثر من عوالم العزلة وتزويني لأبتعد عن عالم التوافق الاجتماعي.

ربما يعود ذلك كما ذكرت إلى شخصيتي وربما يرتبط بالواقع المعاصر الذي أعايشه، زمن التكنولوجيا ومواقع التواصل، زمن الموضة والموسيقى والرياضة، زمن الانفتاح وانحلال عروة الأخوة والصداقة والمحبَّة، فما عدتُّ أعرف أشْهَر رياضيّ العالم، وليس لدي أدنى معرفة بأجمل الفانشيسيات العربيات لا المحجّبات منهنّ ولا سواهنّ، فكيف أعرف الغربيات؟ أما عن صيحات الموضة فحَّدث ولا حرج أو لا تُحَّدث فلم أسمع بها وبي صمم، فإذا بادرت سيدةٌ جاهلة مثلي بالحديث تصبح محطّ أنظار الجميع بقلّة خبرتها و هوان الموضة عليها – فمن مستغربةٍ إلى مستنكرةٍ تضيع هيبة الثلاثين وكل الشهادات المسندة على الجدران! تلك السيدة المعقّدة شافاها الله لن تفلح في أي مناسبةٍ اجتماعية، فهي تزيدها نكداً وتصبُّ عُقدتها علينا صبًّا، وتنسى نفسها عندما كانت في مثل عُمرنا، تتظاهر بأنها لم تحبّ الموسيقى يوماً، يا عزيزاتي: إني قد أحببتها وسمعتها وطربتُ لها أما الآن فلكم شأنكم ولي شأن.

 

هناك شريحة لا بأس بها من السيدات والفتيات تُجاذبهن نفس الأمواج؛ فلا هنّ قادراتٌ على الاندماج في هذا المحيط ولا بمقدورهم امتلاك مفاتيح التغيير

سيدات الجلال والوقار أميرات الثلاثين هنا مكاني معكنّ، حيث التعقّل والنضج وتحليق الروح؛ أحلّق ولحدّ السماء لما لا، ولكن! ما المشكلة أن تكون حياتنا في جُلّها مظاهر؟! أثاث البيت من ماركة كذا، وهدية عيد ميلادي بقيمة كذا، وعطلة نهاية الأسبوع في فندق كذا، وأنت يا حجّة؟ أنا! أنا لا أذهب للفنادق ولا أحتفل بأي عيدٍ سوى عيد الفطر وعيد الأضحى، وبصراحةٍ لا أملك ما يكفي من مالٍ لأشتري أثاثًا فاخرًا، حتى لباسي أتبضّعه من أي محلٍّ شعبيٍّ، وكما يذكر المثل القديم: (من لا تُزيّنه عروقه لن تزيّنَه خروقه!) فمن لا يُزينُّه عقله وشخصه فلن تُزينُّه خرقةٌ مهما غلا ثمنها، وإني مشغولةٌ بتحصيل أطفالي ومتابعة واجباتهم اليومية وصلواتهم الراتبة وحفظ بعض سور قرآننا وسنّة نبينا، بالإضافة إلى محاولتي لتطوير تحصيلي الأكاديمي، وأضطر هنا أن أخفي عليهنّ موعدي مع زاوية الرواية اليومية أو الأسبوعية، التي أخصّصها لذاتي اتّقاء شرِّ لسانهنّ ونظرات السخرية منهنّ.

أصبحتُ الآن عبئاً يُربَؤ به بين قريناتي، أُفضِّل الاعتزال ببيتي أو عملي، وتحاول الكثيرات تجنّبي بمشاريعهنّ الترفيهية بحُجّة: (ترتاح وتريح فما تزيدنا إلا خبالًا، ستُحَّدثُنا عن نكبات البلاد الإسلامية وكيف يُقتل الناس بدون ذنب إلا أن يقولوا أمنَّا، وتقلب فرحنا وابتهاجنا هماً وغماً!، وستُحَّملنا مسؤولية الكون وأنّ الصلاح بأيدينا إن أصلحنا ذواتنا أصلح الله أمورنا وأمور بلادنا، ولا تعلم غاوية النكد هذه أن بلادنا لا أمل منها ولن يصلحها ويصلحنا إلا الله!).

أعلم أني لستُ الوحيدة التي أعاني من هذه المشكلة، فهناك شريحة لا بأس بها من السيدات والفتيات تُجاذبهن نفس الأمواج؛ فلا هنّ قادراتٌ على الاندماج في هذا المحيط ولا بمقدورهم امتلاك مفاتيح التغيير. أهي الأمراض الاجتماعية؛ فراغٌ فكريٌّ، وخواءٌ روحيٌّ، وضياع هوية، نتلْقّفُ ما يجتره الغرب من تقاليد، ونمتطي موجة الحداثة بلا حُسبانٍ، لنكن كالضعيف في تقليده لحضارة القوي دون إخضاعها للظروف الإنسانية والاجتماعية والدينية التي تناسب مجتمعه وثقافته!، أم أننا في زمن انقلاب المفاهيم!؟ هل هو ضياع الهوية أم ضياع هذا الجيل؟ هل ما أعيشه هو الاغتراب النفسي؟! أم هو اغتراب أمّة عن رسالتها وحقيقة مكنونها؟! أم أنّني ثلاثينية في أزمة نفسية ليس إلّا؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.