شعار قسم مدونات

في الذكرى السبعين للنكبة.. هل صار جسد الإسلام مريضاً؟

blogs مسيرة العودة

خرج الأحمق ترمب ليعلن افتتاح سفارة الولايات المتحدة الجديدة في القدس، خرج ليطلق آخر الرصاصات في قلب الأمة العربية والإسلامية وينعى كرامتها وعزتها، زحف الصهاينة نحو الأرض المقدسة وأعلنوها عاصمة لهم ثم زحفوا إلى ما بقي من أرض الكرامة يدنسونها، وبعد ذلك عادوا إلى مقر الأمم المتحدة يتحدثون عن السلام وحل الدولتين وحق الشعوب في تقرير المصير.. أيوجد كذب أكبر من هذا! أيوجد ظلم أكبر من هذا! لكن لا تتعجب لأمرهم فقتلة الأنبياء لن يعجزهم قتل شباب عزل اختاروا الدفاع عن أرضهم، "كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين، أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ".

في الذكرى السبعين للنكبة خرج الآلاف من الفلسطينيين في رحلة العودة إلى الأرض المغتصبة، اخترقوا كل الحواجز الوهمية التي وضعها الأعداء، وعادوا إلى وطنهم في مشاهد تفيض بالعزيمة والإصرار والتضحية بالنفس من أجل الأرض والكرامة، استشهد منهم العشرات وقدموا دمائهم فداء لتلك الأرض الطاهرة التي أسرى الله فيها بعبده حينما كان الإسلام عزيزا وكان الأعداء غثاء كغثاء السيل وذئابا تمور مورا من شدة النفاق والمكر والخداع، نبأ الله عبده بهم فأخذ منهم حيطة لكنهم حينما صاروا اليوم أخلاء للمسلمين دمروا أوطانهم، عمد هؤلاء الصهاينة إلى مواجهة الشباب العزل بأعنف الأسلحة، أمام صمت رهيب للقوى العالمية والوهن العربي والإسلامي، لكن الفئة الصامدة لم تكثرت وعادت إلى وطنها، فحق فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَا تَزَالُ طائِفةٌ مِن أُمَّتي عَلَى الحَقِّ ظاهِرِين على مَن نَاوَأَهُمْ، وَهُمْ كالإِنَاءِ بينَ الأَكَلَةِ حتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللهِ وهُمْ كَذَلِكَ". قلنا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: "بأَكْنَافِ بيتِ المَقْدِسِ".

في الذكرى السبعين للنكبة، كان لا بد من الوقوف مع الذات ومحاسبتها لمعرفة مكامن الخلل في الأنفس والمجتمع والأمة، وكان لزاما علينا العودة إلى الله أخلاقا وقيما وسلوكا ومعتقدات

في الذكرى السبعين للنكبة خرج الاتحاد الأوروبي يدعو الكيان الصهيوني لعدم الإفراط في استخدام القوة ضد الأبرياء العائدين إلى وطنهم المغتصب.. لا تفرطوا في استخدام القوة اقتلوهم بلطف يا أخي، اقتلوا الطفل والحامل والعجوز والمريض والأعزل، العالم يبارك لكم.. اقتلوهم وانهبوا ما بقي من أرضهم وأعلنوها أرض صهيونية ثم استعينوا ببعض المرتزقة من المؤرخين ليختلقوا القصص والأكاذيب عن تاريخها اليهودي، اصنعوا الهيكل في عقول الناس ثم ابنوه على تلك الأرض المقدسة، فما عاد لها أمة تحميها سوى ربها، وقد أنبأ الله عباده بحالهم اليوم : "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ".

في الذكرى السبعين للنكبة صار جسد الإسلام مريضا، تداعت علينا الأمم وجعلتنا فرائس سهلة، تقتل فيها ما تشاء وتعفوا عمن تشاء، وزعت خيراتنا غنائم فيما بينها، أشعلت الحروب في أرضنا وولدت النزعات الطائفية والقبلية بين شعوبنا، فرقت بين الإخوة الأشقاء وأخذت منها الجزية من أجل وساطة كاذبة، لم يعد لنا صوت يجمعنا فأصبحنا أمة مشتتة ودويلات صغيرة يقاتل بعضها بعضا، أعلنا جميعا الولاء والإخلاص للعدو فجعل بلادنا الإسلامية فضاء واسعا لضرب القيم والأخلاق والثورة على العقيدة والدين، دخلنا في نقاشات عقيمة عن الحريات ومساواة مزعومة بين الرجل والمرأة في الحقوق، بينما اختارت شعوبنا أن تلهث وراء نجوم الملاعب و قنوات تصنع الراقصات وأشباه الرجال.. احتلال الأرض والقلب وتضليل العقول وتسفيه الأحلام باسم الرياضة والفن.. يا أخي من رأى منكم منكرا فليبارك فيه وليصفق له فقد صار العالم اليوم باطلا لا يأتيه الحق من بين يديه ولا من خلفه.

في الذكرى السبعين للنكبة، كان لا بد من الوقوف مع الذات ومحاسبتها لمعرفة مكامن الخلل في الأنفس والمجتمع والأمة، وكان لزاما علينا العودة إلى الله أخلاقا وقيما وسلوكا ومعتقدات، من أجل بناء اللبنة الصالحة التي ستحمل هم الأمة مستقبلا وتواجه الأعداء بمنطق المجابهة، كان لا بد من الإيمان بأن الله غالب على أمره وأن سلطان الغرب المادي ماض إلى الزوال وأن من بين أسباب انهياره بروز لبنة مسلمة صالحة و تربية قاعدة قوية على أخلاقيات لا إله إلا الله.

 

أو كما قال سيد قطب في رؤيته لأحوال العالم المعاصر نحن بحاجة إلى مسلم منظم مرتب، ينظم زقته عبادته ووقت عمله وراحته، ووقت إطلاعه، ووقت زيارته، ووقت رياضته، وينظم ملابسه وأدواته، ويضبط مواعيده فلا يعطي وعدا ويخلفه، ولا يذهب لزيارة الناس دون أن يستوثق من مناسبة الوقت الذي اختاره للزيارة، ويضبط كلامه فلا يقول إلا ما هو مثبت عنده، وما يعتقد أنه حق، وينظم تفكيره فلا يقفز إلى نتيجة لا يؤيدها دليل، ولا يجعل هوى النفس يشوش على تفكيره، ويتعود المتابعة والمثابرة فلا يندفع اليوم وتخمد حماسته غدا.. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.