شعار قسم مدونات

"قناة الأقصى".. أربعُ سنوات من الإبداع الدرامي الفلسطيني

مدونات - مسلسل حساب مفتوح قناة الأقصى

للعامِ الرابع على التوالي وفي كلِّ أُمسيةٍ رمضانيةٍ تستأنفُ قناة الأقصى الفضائية إبداعها في العمل الدراميّ المقاومِ الذي يعيدُ لنا كمشاهدين ومتابعين للقضايا السياسية والوطنية والاجتماعية التي يعيشها الشارع الفلسطيني بعضًا من الذكريات، في الوقت الذي تشتري به الكثير من المسليات برفقةِ العائلة، مع كوبٍ من الشاي الساخن لتتحضرَّ جيدًا لسمرك كما المعتاد، إلا أنك حينما تقرر مشاهدة ما أعدته قناة الأقصى من مسلسلاتٍ رمضانيةٍ تُحاكي الواقع الفلسطيني، لن تقوَّ على اللهو بعيدًا عن الشاشةِ التي تتوسطُ الغرفة، كثرةُ الأحداث في الحلقةِ الواحدة قد تجعلك تعيد الحلقة خلال وجبة السحور، وتستيقظ من نومك صباحًا مع أشعةِ الشمس الحارقة لتعيد الحلقة ذاتها لترسخ في ذهنك.
 
أربعُ سنواتٍ لم تكن إلا حصادًا لعددٍ من الأفلام القصيرةِ التي لخصت العمليات البطولية للفدائيين الفلسطينيين إبان البحثِ المستمر عن طريقٍ غير طريق المفاوضاتِ والحلول السلمية التي تبعد الفلسطيني عن فوهةِ بُندقيته ورصاصه الذي صدأ من مكوثه الطويل تحت التراب بجانب شجرة الزيتون أو تحت ظلِّ شجرة التين، فالناجحُ بحق في العمل السينمائي لا يمكنه العمل على مسلسل ما لم يتخطى قسم الأفلامِ القصيرة، هذه الأفلام التي حملت أمجادًا لو أُعيد جزءًا منها في هذه الأيام في الضفة المحتلة لتغيرت الحروف ووجدت من الرصاص نحوًا وصرفًا وميزانًا ترتكز عليه الضفة من جديد ما بعد عام 2006م.
 
ما تميزت به قناة الأقصى الفضائية خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، أنها تمكنت من إعطاء المشاهد الفلسطيني دروسًا مجانية في مواجهة الاحتلال ومخططاته وأهدافه وكيفية التخلص منه، وكيف يكون المسار الذي انحرف ما بعد أوسلو تدريجيًا وصولاً لهذا اليوم بعدما أضحى الفلسطيني يفضل لقمة عيشه وامتلاك سيارة فارهة والكثير من الأموال على حساب التفكير في تحرير الأرض والهوية والإنسان، بدأت حكايةُ التألق في مسلسل الفدائي بشقيه الأول والثاني، جزءٌ حمل الفكر المقاوم المواجهِ للاحتلال ولشاباكه في تنفيذ العمليات وكيف لحارةٍ فلسطينية وقفت أمام مستوطن حَوَّل البلدةِ القديمةِ في الخليل إلى مرتعٍ له، دون أن يحاسبه أيٌّ من المسؤولين أو القوانين التي كفلتها المنظمات الدولية، جزءٌ حمل كيفية إعداد الخلايا الجهادية في تنحية المستوطن والمغتصب للأرض الفلسطينية، إلا أن الثغرة والسوسةِ التي تنخر الأسنان شيئاً فشيئًا من شأنها أن تضعف هذه الخلايا، هذه الثغرة لم تكن على أرض حارة الفدائي فحسب بل تمكنت من اختراق السجون من الداخل تحت مسمى (العصافير)، وهنا كان الهدف واضحًا والرسالة الإعلامية والفنية من الجزء الثاني كيف تتم مواجهة الشاباك والسجان وضباط التحقيق داخل الأسر حينما تكون مقاومًا قبل أن تصبح داخل قفصٍ حديديّ، فكان مسلسل الفدائي أيقونةً ودرسًا في مواجهة الشاباك داخل السجن وأساليب الاحتلال ومستوطنيه الذي يتعمد الاستيلاء على التراث الفلسطيني والبيوت القديمة في الخليل خارج السجن.
  

من خلال مسلسل حساب مفتوح استطاعت قناة الأقصى الخروج عن المألوف في اقتصارها على الفكر المقاوم وإعادة أمجاد الماضي
من خلال مسلسل حساب مفتوح استطاعت قناة الأقصى الخروج عن المألوف في اقتصارها على الفكر المقاوم وإعادة أمجاد الماضي
  

هذا المسلسل لوحده جعل العائلة تتوقف عن تناول المسليات خلال السهرات الرمضانية وجعل الصغير قبل الكبير يتابعه ليتعلم ويُعلم ثقافة تفتقدها المؤسسات التعليمية والأهلية والشبابية في الوقت الحالي خوفًا من الإغلاق والتهديد بالاعتقال والتنكيل، إلى أن وصلت الدراما الغزاوية لإنتاج مسلسل بوابة السماء الذي سرد واقع القدس والبلدة القديمة في المدينة، سرطان الاحتلال استشرى في جنبات البلدة لتزييفها وحرف مسارها القديم والإرث التاريخي لخدمة أهدافه الاستيطانية، فكانت الرسالة واضحة بأن بيع البيوت خيانة لله وللوطن وللشهداء الذين يجودون بدمائهم لحماية الأرض المقدسة، عدا عن فضح جرائم الاحتلال على المستوى الخارجي الذي يتعمد دائمًا الرواية الكاذبة ويأخذها لزاوية التعاطف العالمي معهم إلا أن الله يسخر لهم في الأرض من يفضحهم.
 
العام الرابع هذا تغير الواقع تمامًا في الدراما الخاصة بقناة الأقصى، مسلسل حساب مفتوح أتى مغايرًا لكل التوقعات التي انحصرت في فكرة بوابة السماء الجزء الثاني وما سيتم عرضه في هذا العام من شهر رمضان، إلا أن إنتاج العمل الدرامي الضخم تحت مسمى، حساب مفتوح، كان له معيطاتٌ واضحة في تغيير الصورة النمطية في قلب الأفكار رأسا على عقب، على أن يكون الصراع هذه المرة داخليًا وخارجيًا، داخليًا في كيفية مجابهة وزارة الداخلية الفلسطينية للعملاء ولمروجين السلاح والمخدرات لحماية الجبهة الداخلية التي عادةً ما يستغلها الاحتلال في إضعاف قوة القطاع الصامد في وجهه، ومن زاويةٍ أخرى في محاربة العقول ما بين المقاومِ الفلسطيني والشاباك الذي يتربص لأي تطورٍ قد يعود للمقاومة الفلسطينية بالنفع والإنجاز، فأبدعت هذه المرّة قناة الأقصى في إنتاج عمل درامي خاص في غزة التي تعرضت طوال الـ 11 عامًا للإضعاف والحصار والخرق من القريب قبيل البعيد، من احتلالٍ أراد أن يتوغل في القطاع فأصبح حلمه بأن يسير في مخيم جباليا وشوارع خانيونس والوقوف على تلال رفح التي أذاقته العلقم في حروبها الثلاثة.
  
فمن خلال مسلسل حساب مفتوح استطاعت قناة الأقصى الخروج عن المألوف في اقتصارها على الفكر المقاوم وإعادة أمجاد الماضي لما كانت عليه القضية الفلسطينية قبيل عام 2006، واستطاعت أن تلخص واقع قطاع غزة من بعد معركة عصف المأكول لتبين حجم الصراع الداخلي ما بين قوةٍ تريد ضبط الأمن والأمان وقوةٍ تريد انتزاعها وزعزعة النظام، عن طريق مجموعات يستخدمهم الكيان الصهيوني لتحقيق أهدافه في ضرب معقل المقاومةِ من الداخل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.