شعار قسم مدونات

حوارٌ مع صديقي حولَ.. أثرِ الاعتماديةِ في الجامعة

blogs - university

لا يغرنُكَ طلابُ بعضِ الجامعاتِ الملمونَ لمقرراتهم الدراسيةِ ليلةَ الامتحان!
في هذا.. يسألُني صديقي مستنكرًا: كيف يقومُ البعضُ من بيننا بهذا الأمرِ ويتساوى مع غيره؟ بل ويصبحُ من ذوي العلاماتِ والتقديراتِ العالية؟!
– ببساطةٍ شديدةٍ ياصديقي الأمرُ ليس بعجبِ العجاب، بل هو يسيرٌ جدًا، ولكن المشكلةَ فيك أنت حينما تحسبُ النظاميةَ من ذواتِ المقرراتِ والمناهج. أريدُ أن أقولَ لكَ أي أن تعليمُنا لا يستوي، وبالتالي فالصورةُ عندُكَ مشوشةٌ إلى حدٍ يجعلُكَ تظنُ أن هذا الطالبَ المُلِمَ أمرهُ عجيب. فلا تظلمْ تستكثرْ، ولا تغترْ تستقلْ!

 

إنكَ إذا أردتَ وضوحًا أكثر، عليك أن تسألَ نفسَكَ بلماذا؛ لماذا بات الطلابُ لا يستقون من الكتبِ والمراجعَ الأصليةِ مثلما يتشربون نماذجَ الوريقاتِ المنفردةَ اليومَ شربَ الهيم؟ أقولُ لكَ: مؤخرًا يلجأُ الطالبُ لهذا لأسبابٍ عدة، عل منها؛ أن الوقتَ الممهولَ على قدومِ الامتحانِ لم يعد كافيًا وكان سببُ ذلك هو أولّا في الإمهالِ والتأجيلِ منه -نفسه-، وثانيًا في دنيتهِ الجامعيةِ التي لم تُرتَّب بعد وحتى قدوم الامتحان؛ فهو يذهبُ في السابعةِ صباحًا ويعودُ في الخامسةِ مساءًا كالذي يحمل أسفاره، ولكنه مسكينٌ.. ما علمَ أن الفرصَ منالةٌ لا تُعَوَّض؛ لذا تثقلُ عليه حاجاتهُ من الساعاتِ في اليومِ بعدما اذهبَ نصفَ يومهِ بين الذهابِ والإياب. هو لا يذهبُ وهو يعلمُ ما سيتناوله اليومَ من وجبةٍ يعدُّها له أستاذهُ في الجامعة، فلا يهيأ نفسَهُ لها، إذنن فبالمرةِ هو لا يذهبُ لحاجةٍ يريدُها.

 

وببساطةٍ شديدةٍ لأنه اعتادَ على ما اصبحَ يلظو إليه كلَ عامٍ من نماذجَ المذكراتِ وليلتا ما قبلَ الامتحان، هذا وإن دلَّ على شيءٍ، لا يدلُ سوى على أن مقرراتَّنا نفسَها وقتما توافقتْ وخدمتْ مع تلك النماذجَ المكتبيةِ باتت محدودة أيضًا. فلماذا إذً يرهق نفسه في وقت لا يملك رفاهيته! أو لعل للنظاميةِ يا صديقي – وأخص بها الحضور والانضباط – دورًا في ذلك؛ فهي عملية تثقل كاهلَ الطالبِ -وفقًا لطريقته التي يتبعُها في التعلم- بطريقةٍ غيرِ مباشرة والتي لا تخطرُ في بال الكثيرين؛ على سبيل المثال هم يظنون ظنًا كاملًا أنها تخففُ عن كاهلهِ، وتهديهُ إلى السبيلِ، وتحملُ عنه أعباءهِ حتى تَخرُجهِ، وإنه لو صحَّ اعتقادهم فلِماذا إذً تتعالى الأصواتُ ويشتدُ النحيبُ وقتما يحينُ الامتحانَ، ولِمَ يبدون ما حصْحصَ عليهم؟

 

عليكَ يا صديقي ألَّا تذكي الاعتماديةَ النظاميةَ في عصرِنا الحالي، فهي اعتماديةٌ زائفة، وألا تذكي هذه المناهجَ وأصحابَها من المؤسسات، وألا تحسبها حسبَ سفينةٍ عمياءٍ تقتادها رياحُ العبثِ دونَ قائدِها

لكن انظرْ الإجابةَ -اعزكَ اللهُ- في قولهِ تعالىَ: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ". يؤسفني أن أقولَ لك يا صديقي أن هذه مفاهيمٌ لدى هؤلاءِ الكثيرين خاطئة؛ فإن معظمَ الطلابِ الذين أرادوا التعلمَ، يصبحُ يومُهم غورا بعد أن استولى عليه الذهابُ والإيابُ إلى الجامعة، جانبًا إلى أنهم إن كانوا حتى مهيأين أنفسَهم لِما سيتناولونه من أستاذِهم، فهم لا يستفيدونَ بالقدرِ الذي ينبغي على الأقل، ولهذا أسباب،ٌ كثيرٌ منا يعلمها. ولكنها بذلك توهمهم بأنهم تحت أيدي الاعتماديةِ الزائفة، مما يفرضُ على كلٍ منهم التأجيلَ والإمهال، بل على العكسِ، فما إن أصبحتَ لهم من سبغِ الوقت مَلكةٌ، فهم بذلك إن أمهلوا لم يفعلوا تحتَ طائلةِ الاعتماديةِ الزائفة، ولكان كلٌ منهم عويلَ نفسهِ، صائنَ وقتهِ، وفي نفسِ الحالِ يتمتعُ به، يهدأ البالُ ويعيشُ بدلَ العَيشِ (عيشِ الأموات إنذاك) عيْشًا (عيشَ الأحياء)!

 

الأمرُ الأخير..
وهو أتذكرُ أنت هذا الطالبَ الذي وضعته المنظومةُ نصبَ اللاعتماديةِ في مرحلةٍ مبكرةٍ ضمنَ مراحلََ تعلمه! (وأقصدُ بذلك المرحلةَ الثانوية). هنا السؤالُ مَن مِنا رأى أثرَ الاعتماديةِ الذاتيةِ على طالبِ الثانويةِ العامةِ وما ترتَّب عليها من عزيمتهِ وإصرارهِ، حتى أنه كان يترقبُ نتيجةَ عامهِ التي تحملهُ إلى ما كانَ يخططُ له رغم أنه لم يتمْ عُقده الثاني، وقد نجحَ وابهرَ من حوله لمَّا صار جامعيًا لِما أحب أن يصبح فيه؟ أحملُ بسؤالي مزيدًا لكَ مِن الوضوحِ؛ وهو أن هذا وأكثر قد توافَّر لِما ترتَّب على اللاعتماديةِ النظامية. وللأسف لو علِمْ المسكينُ أن نفسَ المنظومةِ ستضعه تحتَ الاعتماديةِ المنصوصةِ في الأوراقِ والتي ما لم تكنْ تطبق كما ينبغي، وإنما هي زيفًا من زوائفِ النظاميةِ.. لفضَّل المكثَ في ثانويتهِ مئةَ عامًا من عيشِ الأحياء.

 

لذا عليكَ يا صديقي ألَّا تذكي الاعتماديةَ النظاميةَ في عصرِنا الحالي، فهي اعتماديةٌ زائفة، وألا تذكي هذه المناهجَ وأصحابَها من المؤسسات، وألا تحسبها حسبَ سفينةٍ عمياءٍ تقتادها رياحُ العبثِ دونَ قائدِها -المؤسسات-، بل وسط هذا العَبْثِ لابد من أن يليَّ كلَ ما طُرِح لك سؤالُ نفسِكَ الذي وراءَه كلُ الحلولِ؛ وهو (متى وكيفَ أُصبِِحُ طالبًا حقا؟!)، ولعلَّ هذا سأعودُ إليكَ بهِ خلالَ أيام.

 

رُحماكَ ربي رَحماك.. بل للجامعةِ ياصديقي فائدة؛ ألا تعلمها! إنها تربطُك بأُناسٍ آخرين يتقاسمونَ معكَ النكسةَ والألم، قد حُرِمتُ أُنسهمُ اليومَ بعدَ ما انتهيتُ مِن امتحاناتِ منتصفِ الفصلِ الدراسيِّ الجامعيِّ الأول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.