شعار قسم مدونات

هل صار نجاحنا افتراضيًا؟

مدونات - موبايل وسائل التواصل

– هل صارَ نجاحنا افتراضيًا؟
هل تحولت شهرتنا ونجوميتنا من الواقع إلى مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية؟
إن لم أنجح على هذه المنصات هل أُعتَبرُ فاشِلًا؟
سأل صابرٌ هذه الأسئلة لرفيقه بعدما سكنت رأسه، ثم قال: و يعني هذا أننا أصبحنا أشخاصًا افتراضيين غير حقيقين. ليُجيبه رفيقه بلا اهتمام: دعك من هذه الأفكار يا رفيق؛ واكِب عصرك. عَلِمَ صابر أن رفيقه ما زال كعادته، مُنقادًا خلف هذه المنصات دون أن يُحاول التغيير رغم إدراكه أن صابرًا محقًا بتفكيره، لكنه لم يستطع أن يغير شيئًا فاستكان، وهُنا تشابه الرفيقان؛ بشعورهما بالعجز.

 
 
كان صابر يسير في شوارع المدينة، يتأمل الطُرقات، ويحسب على أصابعه الأُمور التي كان ينوي إنجازها؛ ولم يُنجزها.. لكن أصابعه لم تَكفِ. هذا الطريق يتشابه مع ذاك، والشعور يتشابه؛ يختلف قليلًا في حدة وقوعه فيك لكنه يتشابه في نهاية الأمر. كم نتشابه نحن البشر! أيعقل أن نكن جميعنا نحمل ذات المشاعر؟ أفيهم ذات الثقل الذي يحتلني؟ كان هذا السؤال يأكل عقل صابر منذ مدة ليست بقصيرة، كان يرغب بمعرفة إن كان جميع الحالمين يشتركون معه بألمه هذا، الذي ينخز قلبه وخزًا؛ وكان يقول: إن كُنا جميعنا نشترك بهذا الألم -وهذا ما رجحه بعد تفكيرٍ عميق- فإننا من هُنا، من وسط تشابهنا سنختلف، بطريقة تعاملنا مع هذا الألم، ومن هذا الاختلاف يكمن استحقاق الوصول ولذة تحقق الحلم، وتميز أحدنا على الآخر، وسقوط الأعذار التي نختلقها لأنفسنا لنبرر فتور الهمم الذي يُصيبنا.

 

الإيجابي المُشرق؛ فهو أن صابر رأى وتابع وصفق ولو بالخفاء لمجموعةٍ جيدة تُحاول أن تترفع عن توافه الأُمور، وتنهض بالأُمة وبمستوى ما تُدوِّن وتخط يدها

وأيضًا كان صابر يعلم، أن حياة الحالم ستتحول إلى جحيم إن وضع حلمه على رف الانتظار، لكنه فعل هذا دون أن يلحظ. وفي الوقت ذاته كان صابر يعلم أيضًا، أن أكبر سبب في جعل هذا الحلم نائمًا على ذلك الرف التعيس، أنه لم يستطع أن يلوح بأحلامه ونجاحاته على منصات التواصل الاجتماعي؛ حاول أكثر من مرةٍ، لوح قائلًا: أنا هُنا؛ حُلمي هُنا.. تفوقي هُنا يا سادة! لكن للأسف صابر لم يمتلك ذاك الحِس الذي يمنحه إعجاب الناس الإلكتروني ومتابعتهم له ودعمه. في نجاحه على أرض الواقع لم يجد غير القليل من المُصفقين الداعمين له، من يقفون خلف ظهره ليمنحوه دفعةً إلى الأمام كلما استكان.

 

لكن تلك الدفعة لم تعد كافية، اليوم قلبه على حلمه، يخشى من أن يضيع منه بسبب هذا الانقياد؛ أصار نجاحنا افتراضيًا؟ أصُرنا نشجع وندعم بعضنا على تلك المنصات الوهمية وننسى أن الواقع أشد وطأة فينا وأهم؟ أمن لم يستطع جذب الناس عن طريق "الفيسبوك" و"الانستجرام." ولم يحظَ بالشهرة، ألن يكن له نصيب من الدعم على أرض الواقع؟ وأيضًا هذا الدعم الافتراضي، أليس الأحق به صاحب المحتوى الأفضل؟ وضعَ هذه الأفكار جانبًا، وأزاح همه الكبير عنه قليلًا أو لِنقُل حاول أن يُزيحه، وأمسك بهاتفه يتأمل ما يكتبه وينشره ويُدونه الناس، قليلٌ من الإبداع مع كثيرٌ من السذاجة والمحتوى التافه؛ لكن هذا لا يُدهشه ما يدهشه حقًا هو كمية المُصفقين لهذا والفرحين به، يا إلهي! قالها صابر ضاحِكًا وفي قلبه غصة.. وما أكثر متاجر الكتب على هذه المنصات! وكذلك الملابس والأطعمة. وما أقل القُراء! وما أكثر المُهتمين بالملابس والأزياء، والأطعمة!

 

أما الإيجابي المُشرق؛ فهو أنه رأى وتابع وصفق ولو بالخفاء لمجموعةٍ جيدة تُحاول أن تترفع عن توافه الأُمور، وتنهض بالأُمة وبمستوى ما تُدوِّن وتخط يدها. هؤلاء من يستحقون مِنّا كل الدعم والمُؤازرة. قالها صابرٌ فَرِحًا مُصفِقًا.

 

"توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير" غرَّد صابر بهذه الجملة على " تويتر" قبل أن يُغلق هاتفه، ويرتمي على سريره، يُحدق ويُفكِرُ في القادم، ويقول: سأكمل الطريق، وسأعِد العُدة. وسيكن كل شيء كما سعينا؛ هذا عدل الله. نام صابر، لكن قلبه لم ينم، ضلَ مُتعلقًا بذلك الحلم العظيم، يواسيه ويعتذر منه بين الحين والآخر عن سذاجة واقعه وارتفاع سقف أحلامه الذي سُرعان ما ينهار فوقهما. نام صابرٌ، لكنه سيستفيق، سينهض ويُعيد مُحاولاته، سيستمر لو تمزق جلده، ولو تشتت عقله وتآكل قلبه، لكنه سيضل يرجوا الله ألا ينطفئ شغفه أبدًا

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.