شعار قسم مدونات

"اعمل الصح" غسان مطر يقول الصواب

blogs - الخط العربي
في زمنٍ بعيد قليلًا، منذ عامين أو أكثر بقليل اعتدت الكتابة بشكل مُبَسّط كنت أعلم أنه يُبهر أهلي وأصدقائي بشكلٍ قد يبدو مبالغًا فيه بعض الشيء والحق أنني شعرت بالرضا حيال ذلك، لكنني ولحسن حظي كنت أطمع في المزيد، أطمع في أن يُقال كاتبة وأنا استحقها لذلك سعيت مرارًا لأجد من هم أعلم مني وجمهوري الصغير بالكتابة ولسوء حظي بائت مساعيّ بالفشل دائمًا، منذ أعوامٍ طويلة كان لي اهتمام خاص بالخط العربي، بدأ عندما كان مدرس العربي "مستر سامح" يكتب بالطباشير الأبيض والأخضر والأصفر على السبورة ويُبهرنا بشكلٍ عام ويُبهرني بشكلٍ خاص بالخط الكوفي الذي كنا نكتبه آنذاك بقلمٍ رصاص ومسطرة، ورغم أنني أحببت الخط العربي حينها لم تسمح لي الفرصة أن يزيد اهتمامي إلى حدٍ أكبر من وقت حصة الخط الأسبوعية، فبدأ اهتمامي يزول أو يذهب إلى النسيان مع مرور السنين.

   

في اجتماعٍ نشأ بالصدفة البحتة تعرفت بزميلٍ -من الدفعة الجديدة- كنت أرى مقالات له على ساسة بوست لكنني لم أعرفه حينها، لأنه لم يشبه صورته تمامًا، تحدثنا حول الكتابة لكنني لم أفهم منه شيئًا وكأنه فيلسوف لن تفقه حديثه أبدًا، فطنت بعد مدة إلى أنه سيفيدك ما دمت تريد ذلك، كنت أعرف أن هناك خطاطًا في الدفعة الجديدة الوافدة إلى جامعتنا كان أخو زميلنا لذلك عرفناه سريعًا، وبدأت كلماته المكتوبة بالخط الديواني أو النسخ أحيانًا تملأ دفاترنا وحقائبنا، يبدو فنانًا مبدعًا من دون شك ولسوف تسعد بمشاهدته يمسك البوص الخاص به ويكتب ببساطة.

    

الشيء المشترك بين زميلاي في طريقة تعليمهما لي هو اتباع استراتيجية "اعمل الصح" الخاصة بغسان مطر، لم يخطر ببالي قط أن تصبح هذه المزحة طريقة أتعلم بها

علمني كيف أبدأ، عرفت فيما بعد أن زميل ساسة بوست كاتب منذ سنواتٍ ثمانية يبدو أنهم تسعة الآن لذلك بدأتُ اسأله عما يعلمه ولا أعلمه أنا، لما سألته يومًا "أنا عايزة اكتب، اعمل ايه؟" وأجابني ببلاهة فظيعة "افتحي ساسة بوست واكتبي!"، لم أتخيل حينها أن أفعل ذلك لكنني لحسن الحظ فعلت، بعد مدة قصيرة من المشاهدة والانبهار اكتفيت تمامًا من ذلك، ولما ذهبت في أحد الأيام أخبر زميلنا الخطاط "عايزة اتعلم خط" لم أتخيل قط أن يطلع نهار اليوم الذي سأكتب فيه كلمة كاملة دون أخطاء فنية في حروفها لكنني لحسن حظي فعلت ذلك ويبدو أنني تقدمت سريعًا بالنسبةِ لكم الوقت الهائل الذي أهدرته.

     

الشيء المشترك بين زميلاي في طريقة تعليمهما لي هو اتباع استراتيجية "اعمل الصح" الخاصة بغسان مطر، لم يخطر ببالي قط أن تصبح هذه المزحة طريقة أتعلم بها، بل وأتقدم من خلالها تقدمًا أشعر به وحدي على الأقل لكنها بالفعل أصبحت استراتيجية مثالية للتعلم، اعمل الصح، لما جاوبني زميل الكتابة بأن "افتحي ساسة بوست واكتبي" لم أجد ردًا لكنني شعرت أن تلك الإجابة تشبه تمامًا "اعمل الصح" الخاصة بغسان مطر، والحقيقة امتلئ رأسي ب "يعني اعمل ايه؟" تمامًا "كحزلقوم" حاولت مرارًا بعدها أن أكتب لكنني فشلت فشلًا ذريعًا، ثم جاء اليوم الذي وجدتني فيه "افتح ساسة بوست واكتب" تمامًا كما قال، بل إن مقالي الأول الذي طبقت فيه هذه الطريقة سيكون قد نُشر غالبًا بعد انتهائي من كتابة هذا المقال.

     

في يومٍ ليس ببعيد لما أعطاني زميلي الخطاط البوص لأكتب به فسألته "اكتب ازاي؟"، أجابني ببساطة "امسكي القلم واكتبي"، شعرت مرةً أخرى بشعوري الأول وامتلئ رأسي ب "يعني اعمل ايه؟" "الحزلقومية" التي لا توجد لها إجابة أبدًا، ثم مرت الأيام من جديد لأجدني أُمسك البوص بل واكتب به احدى الكلمات التدريبة الصعبة، عندما ظهر غسان مطر الذي يبدو شريرًا جدًا "لحزلقوم" الطيب في الفيلم لم يرى أحد ذلك إلا دعابة ظريفة تُميت المشاهدين من الضحك، وهى كذلك فعلًا، إلا أنها تصلح جدًا أن تُمثل الطريقة الذي يتبعها المبدعون في تعليم غيرهم من المبدعين، غالبًا ما تجد مُعلمك، أي الذي سبقك ولو بقليل يبدو شريرًا جدًا أو كما نقول "رخم" بعض الشيء، لأنه ببساطة لا يجيبك أبدًا بإجابات منطقية لكنه يستمتع بإلقاء الإجابات التي تبدو مستفزة جدًا.

"اعمل الصح" حقيقةً يقولها أشخاص شريرون للغاية يتصنعون الطيبة ليصبحوا بذلك استفزازيون، تمامًا كغسان مطر في الفيلم إياه، رغم سخافة الموقف فور وقوعه سيبقى هذا الموقف وهذه الطريقة هما الأمثل في التعليم والتعلم دون أدنى مبالغة، ببساطة شديدة "اعمل الصح" وستفهم بعد فترة من الإحباط والملل من زميلك الذي لا يُفيد أنه بالفعل أفادك، لقد جاوبك إجابةً منطقية بديهية جدًا منذ اللحظة الأولى حتى لَتجعلك عند استيعابها تشعر بالغباء لأنك استهترت بها في البداية.

 

الحقيقة لم اتعلم شيئًا سوى بـ "اعمل الصح" المتوارية خلف "اكتبي" التي لطالما استفزتني، فيما يخصني وتقدمي الذي أشعر به، لولا "اعمل الصح" وفكرة بسيطة إثر موقف صغير لَما عدت أكتب بعد ٥٤ يومًا كاملين من جفاف الأفكار والكلمات، ولولاها لَما تجرأت على مسك البوص وحدي تمامًا والكتابة به، لعل "اعمل الصح" كذلك تكون الطريقة الأمثل للتعليم والتعلم للمبدعين وغيرهم أيضًا، لعلها كذلك من البداية لكنني لا أعلم لأنني لا زلت أتعلم، أخيرًا "اعمل الصح" تنعم بالنجاح المرجوّ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.