شعار قسم مدونات

هل أَفل نجم "الإخوان المسلمين" بالمغرب؟

ميدان - العدالة

خَرجواْ من بين الرّكام مراتٍ عديدة، وكانوا أذكياء في تجاوز الأزمات واعتادوا الخروج من عنق الزجاجة في آخر فرصة، وأبانوا عن دَهاءٍ بالغ في إحباط كيد كائديهم، فهل حلت السنوات العجاف بعد أن أخطئوا في اختيار صديقهم من عدوهم؟ وبعد أن تخلوا عن زعيمهم من أجل صفقة لم تظهر ملامح نجاحها إلى حد الآن؟

هذا حال حزب العدالة والتنمية المغربي الذي استثمر الاحتجاجات التي تمخّضت عنها حركة "20 فبراير" في سياق احتجاجي إقليمي أسقط أنظمة سلطوية ولا زال يقاوم أخرى، ليغتنم الحزب الفرصة التي طرحها نظامٌ سياسيٌ أحسّ بسُطوة رياح التغيير القادمة من الشرق، نظامٌ أُجبِر على المساومة محاولاً تجاوز الأزمة التي كادت أن تؤدي به إلى المجهول.

اغْتَنمَ الفرصة دون غيره من الفُرقاء السياسيين، متجبراً بقُوَّته التنظيمية وخطابه الإسلامي وأسلوب المظلومية، على شبابٍ أوْقدُوا شُعلة التغيير دون أن يستطيعوا الحفاظ عليها بين أيديهم، وبشعبيته التي اكتسبها بالمرجعية "الإسلامية" التي ادّعى الاسترشاد بها قبل أن يُنكرها في وقت لاحق بعد حظر الدستور تأسيس الأحزاب على أساس مرجعية دينية، وبالخطاب القوي والشجاع الذي كان يتبناه أيام المعارضة، وبزعيم سياسي ذُو خطاب قل نظيره في الحياة السياسية المغربية.

أصبح الحزب كالرجل الذي أعاد للحياة السياسية حركيتها بعد وهَن طويل، أكثر إصرارا على المواجهة مُخاطِراً بكل شيء، بما في ذلك الأغلبية التي حصل عليها في الانتخابات الموالية

استطاع الظَّفر بأصوات الناخبين وقيادة أول حكومة بعد الربيع الذي أزهر للحزب دون غيره، كانت تجربةً استثنائية لا يمكن قياسها إلا بتجربتين عرفهما تاريخ المغرب الحديث هما حكومة "البكاي" بِزخَمِها المرحلي وحكومة "التناوب" بقوة الزعيم عبد الرحمان اليوسفي، لتصبح ثالثة أهم حكومة عرفها المغرب، وكان لزعامة بن كيران دور محوري في اكتساب هذه الأهمية بنوعية خطابه وأسلوبه في المواجهة المباشرة المثيرة للجدل، وقدرته على إحكام الهيمنة الهرمية للحزب وفقا لتصوره، واضعاً خيطاً ناظماً لكل شيء بعيداً عن العبثية التي سادت أروقة الحزب بعد الإطاحة به في مشهد سُريالي اختلطت فيه مرجعية مشروع الإصلاح بالمصالح الضّيقة التي عَبثَت بتفكير الكثير من قيادييه، الذين بدأوا يرون في الزعيم عجوزاً غلب عليه العِناد وأخذ حقه من الدنيا التي لازالوا ينتظرون منها الكثير.

فقد أصبح الرجل الذي أعاد للحياة السياسية حركيتها بعد وهَن طويل، أكثر إصرارا على المواجهة مُخاطِراً بكل شيء، بما في ذلك الأغلبية التي حصل عليها في الانتخابات الموالية، والتي جعلته يتسلم مفاتيح تشكيل حكومةٍ لن تَرَ النور بفعل فاعل، غير آبه بما قد تؤول له الأمور حتى وإن اقتضى الأمر إعادة الانتخابات مرة أخرى، وهو ما رأى فيه "إخوانه في الحزب" مخاطرة كبيرة وعبثية بمكانتهم التي بدأوا يألفون رفاهيتها وامتيازاتها التي لم يتوقعوا التمكن منها بهذه السرعة.

بداية السراب

لم يكتفوا بإرجاع الزعيم لبيته في عطلةٍ مفتوحةٍ لعله يدخل في سباتٍ عميق، والقبول بالتوازنات والتفاهمات التي رفضها في عزِّ قوته، والشروع في تقسيم الغنائم السياسية، بل دخلوا في صدامٍ عنيفٍ مع الشارع الذي كان سببا في وصولهم لبُرجهم العَاجي الذي جعلهم بعيدين عن الواقع، يعيشون وهماً قد ينجلي في أي لحظة، فقد أخطئوا في حق صاحب القرار الذي سلمهم للسلطة بالأمس، والذي سيقفون أمامه غذاً بوجوه ناكِسة مُرتدّة، يترجون فرصة أخرى لن ينالوها هباءً.

فبعد أن بدأ البسطاء عصيانهم الاقتصادي، ودخلوا في مواجهة ذكية مع كبار مُحتكري السوق، معبرين عن سُخطهم من غلاء الأسعار وضُعف قدرتهم الشرائية، مقاطعين شركاتِ ذوي النفوذ مُحتكري السوق، الذين زاوجوا بين المال والسلطة، ومنتوجاتهم التي ارتفعت أثمنتها حتى قاربت أثمنة مثيلاتها في دول يساوي الحد الأدنى للدخل الفردي فيها ضعف دخلهم أكثر من أربع مرات.

وبعد أن طال انتظارهم لكلمة تنصفهم وتدعمهم من الحزب الذي لطالما اعتبروه المُعبر عن مطالبهم ومشاكلهم والأقرب إليهم، وجدوا أنفسهم أمام مسؤولٍ من إحدى الشركات المستهدفة ينعتهم بـ "الخونة" كما لو أن شركة الحليب أصبحت وطنهم دون علمهم، ويا ليتها كانت شركة مغربية لكان الوصف أقل إهانة لهم.

لن يطول الوقت حتى خرج وزير من الحكومة التي يرأسها الحزب ويشكل أغلبيتها، ناعتاً المقاطعين بـ "المداويخ" داخل قبة البرلمان بينما أطبق الصمت على نواب الحزب الذين كانوا إلى وقت قريب سَلِيطِي اللِّسان لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا انتقدوها، لِيَلِيه بعد أيام قليلة رئيس الحكومة الذي كاد الجميع أن ينسواْ نبرة صوته بعد أن ظل ساكتاً لوقت طويل، ويصرح مجيباً أحد الصحفيين عن موضوع المقاطعة بأنه لا يمكن أن يرد على "المجهولين".

هل فقد الحزب بوصلته أم تخلى عنها بعد أن وجد متزعموه مرادهم؟ هل عصف حزب يتزعمه بضع سماسرة بزهور الربيع؟
هل فقد الحزب بوصلته أم تخلى عنها بعد أن وجد متزعموه مرادهم؟ هل عصف حزب يتزعمه بضع سماسرة بزهور الربيع؟
 

سيكون للناطق باسم الحكومة حظُّه من سخط البسطاء، بعد أن خرج بتصريح يفيد التهديد بمعاقبة الداعين للمقاطعة، والتوجه نحو تعديل القوانين المتعلقة بحرية التعبير من أجل مواجهة الظاهرة التي انتشرت كالنار في الهشيم، وهو الأمر الذي أعطى دفعة جديدة للحملة، وأدخل ضيفا جديدا على قائمة المقاطعة لتشمل الحزب أيضا. فتنامت مظاهر السخط والتبرؤ من الحزب التي بدأت من أولئك الذين كانوا متعاطفين مع الحزب في الأمس القريب لتشمل بعض منخرطيه الذين قرر بعضهم الاستقالة، وتنتهي بتبادل انتقادات لاذعة بين قيادييه في العلن.

الاعتذار لا يكفي!

سيكون لذلك أثر كبير على قيادة الحزب التي ارتأت أخيرا تقديم إعتذار لهؤلاء البسطاء من خلال رئيس الحكومة والأمين العام للحزب، الذي دعا لتجاوز الأزمة بمناسبة الشهر الفضيل ظنا منه أن ما أفسده القُبح سيصلحه اللّحن، لكن يبدو أن للبسطاء رأي آخر بعد استمرارهم في حملتهم، فقد ازدادوا اصراراً وتحفيزاً وتبينوا الصادق من المخادع، فحتى بعد اعتذاره لا زالت مواقف قياديي الحزب تعبر عن حقيقة مآلهم وطبيعة الوهم الذي بات يعيشه الكثير منهم، مثل تصريح قياديٍ في الحزب ووزيرٍ في الحكومة الميمونة عندما امتنع عن إجابة صحفي عن سؤال بخصوص المقاطعة بالقول "أنا وزير ولست مواطناً من الشارع لكي يوَّجه لي سؤال مُماثل".

فهل فقد الحزب بوصلته أم تخلى عنها بعد أن وجد متزعموه مرادهم؟ هل عصف حزب يتزعمه بضع سماسرة بزهور الربيع؟ أم أننا أعطينا شعلتنا الوحيدة لساحر وجلسنا في الظلام خائبين؟ إنه تمرين ديمقراطي أخذ منا عقدا من الزمن، وسلب منا فرصة لا تتكرر بالصدفة، واكتسبنا منه تجربة لا تقدر بتمن ولا يمكن أن تكتسب لا بالنصح ولا بالمحاضرات ولا أي وسيلة بيداغوجية أخرى، فمن رأى ليس كمن سمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.