شعار قسم مدونات

لماذا يُقَدَم كتاب "البخاري" على غيره من كتب الحديث؟

blogs البخاري
مما لا يخفى على كلِّ ذي نظرٍ أن قضية البُخاري وكتابه أحدثت صراعات ونزاعات ومعتركات كثيرة وكبيرة بين المسلمين في هذا الزمان.. فكان كتاب محمد بن إسماعيل البخاري هذا فتنة بكل ما للكلمة من معنى.. معاركٌ تدور بين هذا يدافع ويذب عنه وذاك يقدح ويذم فيه! كأنَّ الأُمة كان ينقصها فُرْقة وخلاف وفتن! ولكن.. الفتنة هذه ميّزت بين الخبيث والطيّب! والسؤال يتراود هنا.. من الخبيث؟ ومن هو الطيّب؟ تعال معي في جولة في مدونتنا هذه نتجول فيها في صفحات التاريخ.. وأُحكم بنفسك بعدها.

ولد البخاري في ليلة الجمعة المباركة في سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة، أي في أوائل القرن الثاني الهجري، نشأ في أُسرة متدينة صالحة ووالده كان له عناية بالحديث والرواية، لكن مات والبخاري صغير فتربى في حِجر أُمه وكان مع صُغر سنه شديد التعلُّق بمجالس العلم والعلماء في مدينته، وكان كثير الحفظ لما يسمعه من الأحاديث في مجالس العلم تلك، حتى بلغ به المقام أنه كان يحفظ سبعين ألف حديثاً وهو لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره!

تشرّبت دماؤه حب العلم والحديث، كانت أُمه عوناً له على طلب العلم إذْ خرج للحجّ معها وبعد ذلك استأذنها في البقاء في مكة لطلب العلم فأذنت له! عُرف عنه النباهة والذكاء وسرعة الحفظ بشكل ملفت للنظر! وهو جالس في إحدى مجالس العلم عند الشيخ إسحاق ابن راهويه قال الشيخ: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيقول البخاري: فوقع ذلك في قلبي! فأخذت في جمع الجامع الصحيح!

إذا سقطت السُّنة.. فسوف يُحرِّفون معاني ومرادات القرآن كما يُريدون من دون حفيظ ولا رقيب عليهم! فقد سقطت السُّنة التي كانت المفسرة والموضحة والمبيّنة لمعاني القرآن ودلالاته!

وهنا بدأت رحلته الشّاقة في جمع كتاب صحيح البخاري الذي استغرق جمعه ١٦ عاماً! يجوب فيها بلدان الدُّنيا ويتنقل هناك وهناك طلباً لصحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، آخر حفظه بلغ ٦٠٠ ألف حديث! والحديث هنا يشمل التقرير والصفات الخُلُقية والخَلقية التي نقلها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، غرْبلها ونقَّحها وصفّاها غربلةً وتنقيحاً وتصفيةً ما بعدها من غربلة وتنقيح وتصفية!

البخاري حفظ ٦٠٠ ألف حديث كلها أحاديث صحيحة! أي أنه استخرج من ٦٠٠ ألف حديث صحيح أصحَّها وأجودها وأقواها! فوضع لك في كتابه ذهب الذَّهب! وتخيّل معي أنه كان يُصلي لكل حديثٍ صلاة استخارة يستخير الله هل يضع هذا الحديث في كتابه أم لا؟! أما شروط البخاري لقَبول الرواية فقد كانت صعبة وشديدة خلاف جميع المحدثين! فكان من شروطه أن يكون معاصراً لمن يروي عنه، وشريطة أن يكون قد التقى به وسمع الحديث منه وهذا الشرط الصعب الدقيق اختص هو به عن غيره، وطبعاً إلى جانب: الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع!

فهذه الشروط أعلت كعب كتاب البخاري على سائر الكتب بشكل كبير! البخاري اعترف العلماء له وأقرّوا وبصموا لكتابه بالعشرة كما يُقال، ووضع الله سبحانه لكتابه القَبول في الأُمة أجمع إلى وقتنا هذا قَبولاً عجيباً! وحفظ الله جلَّ جلاله شيئاً عظيماً من السُّنة النبوية به! فانظر كم حاول العابثون والمخربون تحريف كتاب صحيح البخاري إلا أن الله تعالى حفظه وصانه لأنه يصون سُنة حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم، فالخبيث المُريد لإسقاط السُّنة النبوية يقصد أول ما يقصد كتاب صحيح البخاري بالطعن والشكوك! فهو أصحها وأعظمها.. فإذا سقط صحيح البخاري سقطت سائر كتب السُّنة بعده!

وإذا سقطت السُّنة.. فسوف يُحرِّفون معاني ومرادات القرآن كما يُريدون من دون حفيظ ولا رقيب عليهم! فقد سقطت السُّنة التي كانت المفسرة والموضحة والمبيّنة لمعاني القرآن ودلالاته! فـبزوالها وسقوط حارسها سوف تُطمس معاني الإسلام! فلا يُعبد الله في الأرض ولا يبقى طيِّبٌ على وجه الأرض! فكما تعلمون.. الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق وأخبثهم! "لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" فهل عرفت من الخبيث الآن بعد فتنة البخاري له…؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.