شعار قسم مدونات

ثورات الجياع لا تمثّل أمّة الإسلام!

blogs الثورة المصرية

التغيّر الكبير الّذي طرأ على العالم بعد تقسيمات كامب ديفيد وبعد أن اختفت دولة الإسلام الموحّدة هو حتما تغيّر خطير لم نعد نعي مدى تأثيره على عالمنا الحالي. أن تحكمنا منظومة دولية مثلُنا مثل بقيّة الدّول الّتي لا تدين بدين الإسلام هو انحراف ندفع ثمنه غاليا من وعينا وإدراكنا وطريقة تفاعلنا مع الأحداث. فقد صار منظرا طبيعيا أن ترى شبابا يردّدون فكرة أنّ الإسلام دين دماء بحكم الغزوات الفاتحة الّتي قادها أسلافنا والّتي حوّلها المستشرقون ومقلّدوهم من العرب إلى سفك للدّماء واحتلال للبلاد.

 

وصار طبيعيا أن نرى منظّمات دولية، تصنّف نفسها على أنّها تدافع عن حقوق الإنسان، تُدين تجريم العلاقات الجنسية خارج أطر الزّواج في بلد مسلم وتعتبر ذلك انتهاكا للحرّيات وظلما واقعا على شعب ذلك البلد. صرنا في وقت نرى أنّ رجم الزّاني وقطع يد السّارق هي ممارسات يجب أن نخفيها من دستور الإسلام لأنّها ممارسات قاسية، بل وهناك من صار يردّد أنّ ربط احتفال عيد الأضحى بسفك دماء الكباش هي ممارسة وحشية منساقا بذلك إلى أصوات تحاول في كلّ لحظة وفي كلّ مناسبة أن تسلخنا من هذا الدّين.

لستُ أرى ثورات الرّبيع العربي الّتي قامت إلّا ثورات مصّ لما تبقّى لنا من إرادة وتشتيت لما تبقّى لنا من عزيمة

إذا ما أمعنّا النّظر في كلّ ما يحدث فسنجد أنّنا صرنا نعيش في دول خاضعة للنّظام الدّولي منسلخة من دين الإسلام. فرغم أنّ دساتير الدّول العربية تعترف بأنّ دين الدّولة هو الإسلام إلّا أنّه لا يُستخدم كمشرّع إنّما كديانة عليها أن تبقى بعيدا عن معظم قوانين الدّولة. العودة أو الخروج من هذا النّظام الدّولي هو أمر غير مسموح، ولن ترفضه قوى كبرى بشكل علني بل سيرفضه الشّعب نفسه! أليس تنظيم الدّولة الإسلامية خير دليل على أنّ فكرة إقامة دولة تعتمد على تشريعات الإسلام هي فكرة مخيفة يجب ألّا نقبل بها بأيّ حال من الأحوال!

ليس هذا وحسب، أليس ما حدث بعد فوز الإسلاميين في الجزائر أمرا يؤكّد أنّ كلّ من يملك فكر تطبيق الشّريعة الإسلامية هو إرهابي يريدنا أن نعيش في عالم وحشي يشبه العصور القديمة؟ لقد صارت تجارب الشّعوب مع الإسلاميين تشبه البعبع الّذي يردع الطّفل من ارتكاب نفس الفعل، دون أن يفكّر إن كان ذلك الفعل خاطئا أم لا؟

لستُ أرى ثورات الرّبيع العربي الّتي قامت إلّا ثورات مصّ لما تبقّى لنا من إرادة وتشتيت لما تبقّى لنا من عزيمة. فبعد سنوات من الخنوع ثارت الشّعوب للحصول على الكرامة والبيت والمال ولقمة العيش، ثورات أقلّ ما يُقال عنها هي أنّها ثورات لا تليق بنا نحن من حكمنا العالم يوما وأخضعناه لقوانيننا. وما يحدث في عالمنا العربي من ضياع وأزمات أسوأ ممّا كانت عليه قبل الثّورات ليس إلّا رسالة واضحة من الله تخبرنا أنّنا لسنا كغيرنا وأنّ ثوراتنا إن لم تنطلق من أساس صحيح تبتغي منه إصلاحا على نهج الإسلام فلن تصل بنا إلى برّ السّلام. لكنّني أتساءل كيف يمكن أن نمرّر كلاما كهذا إلى العالم، كيف نقنع منظّمات حقوق الإنسان وغيرها أنّنا سننتهج نهجا لن يفهموه وأنّهم غير مدعوّين للتدخّل أو إصدار التّقارير؟ وكيف سنقنع القوى الكبرى كالولايات المتّحدة الأمريكية ألّا تتدخّل؟ 

حينما قامت الثّورة المصرية وانتخب الشّعب المصري محمّد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان بدت تلك كخطوة إيجابية نحو قليل من التّغيير. الرّئيس القادم من جماعة إسلامية كان يحمل أفكارا إسلامية وله غيرة على دينه وعلى أمّته، لكنّه ما لبث أن واجه الاتّهامات وصار رئيسا مخيفا يريد أن يسلب الشّعب المصري حرّيته من خلال توجّهاته الإسلامية، ما جعل الشّعب مستعدّا للثّورة عليه إن وجد من يحفّزه ويعينه.

 

هناك نخبة ستستطيع إحياء ثورات أخرى مستقبلا كما أحيت الرّبيع الّذي لم ينطلق من منطلق صحيح
هناك نخبة ستستطيع إحياء ثورات أخرى مستقبلا كما أحيت الرّبيع الّذي لم ينطلق من منطلق صحيح
 

وهنا ظهرت القوى الخارجية، فلا الولايات المتّحدة ستسمح لهذا الإسلامي بأن يهدّد أمن إسرائيل، ولا حلفاؤها من ملوك الخليج سيسمحون ببقائه، أولئك من يخشون انتقال عدوى الرّبيع العربي إلى بلدانهم خاصّة بنكهته الإسلامية. وهكذا وجد الشّعب والقوى الخارجية مسارا واحدا يتّفقون عليه وهو أن يبتعد الإخوان عن سدّة الحكم، ولم يفكّر الشّعب بما سيأتي لاحقا، بينما كانت القوى الخارجية سعيدة بخليفة جمال عبد النّاصر والّذي كانوا على ثقة أنّه سيقصي الدّين وسيغلق بوّابة الدّفاع عن الأمّة المسلمة، وهكذا عدنا إلى البداية وكأنّ شيئا لم يكن!

أتحدّث عن التّجربة المصرية بالذّات لأنّها تجربة مثيرة بقدر ما أرى أنّ التّجربة الجزائرية كانت مثيرة، وكلا التّجربتين تحتاجان لدراسة معمّقة لنخرج منهما بما قد يفيدنا مستقبلا لتغيير الحال. وبما أنّني أحكي هنا عن الرّبيع العربي فهناك على الاقلّ استنتاجان يفهمها كلّ من نظر إلى التّجربة المصرية، أوّلهما أنّ الشّعب المصري لم ينسلخ من الدّين رغم ما تعرّض له من علمنة منذ عقود، حيث لازال شعبا يرى في الإسلام حياة كريمة؛ وثانيهما أنّ أيّ تجربة إسلامية مستقبلية عليها أن تتحلّى بالذّكاء لتتخطّى العقبات، ولعلّ مرسي لم يكن فطنا بما يكفي ليصلح الجبهات الدّاخلية لتسير في صالحه قبل أن يبدأ بأيّ إصلاحات على مستويات الدّولة، وقد كانت تلك غلطة قاتلة!

وكتابتي لهذا الكلام لا تعني أنّني أوافق الأقوال بأن نخضع لحكم الظّالمين وننتظر الحلّ من السّماء، فأنا أرى أنّ الإصلاح المستحيل الّذي يطلب منّا أن نصلح من الأسفل للأعلى ليس سوى حكم بالمؤبّد على هذه الشّعوب في سجون الظّلم. لكنّني أمنّي نفسي بأنّ هناك نخبة ستستطيع إحياء ثورات أخرى مستقبلا كما أحيت الرّبيع الّذي لم ينطلق من منطلق صحيح، لكنّها في المرّة القادمة ستكون مدركة أنّه علينا الخروج لإحياء شريعة الإسلام في بلداننا، ولن نخرج قبل أن نجهّز نخبة قادرة على قيادة البلاد إلى برّ الأمان، نخبة لن تقع في نفس خطأ جبهة الإنقاذ في الجزائر ولا خطأ الإخوان في مصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.