شعار قسم مدونات

أنا لا أموت مرتين!

مدونات - امرأة وحيدة

أتحدث عن الموت بإيحاء مجازيّ، ولا أقصد به تعريف الموت الكلاسيكيّ المعروف، إنما ما أردتُ قوله هو أننا قد نمر في حياتنا الناشئة بمفترقاتٍ كثيرة أو مطبّات قد تشبه الموت – ليس موتاً بالضبط، فربما تكون بعثاً جديداً لأنفسنا بعد أن راكمتها الغبرة أو بعد أن فترت، هذه المفترقات أو المطبات أو التجارب من المفترض أن تُحدث فرقاً أو تغييراً في حياتنا، الافتراض الأهم من ذلك تطبيق منطق عدم تكرار الأخطاء التي حدثت منا سهواً أو التي حدثت يوماً لأنا لم نكن ناضجين كفاية.
 
إن الذي لا يخطئ لا يتعلم، والخطأ وسيلة لتقويم مسالك العقل وتحديثه وتنسيق عملية النضج فيه إذا أتبعناه بعملية التعلّم، أما إذا تكرر الخطأ ذاته فهنا يصبح وسيلة لهدم العمر. (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) أبلغ ما قد قيل في هذا، هذه دعوة إذن لطيّ صفحة الأخطاء بقرار نهائي وأخير من ذاتك، ذلك أن الخطأ بمثابة موت يُبعثُ من بعده الإنسان بعثاً آخر، والفطن لا يحكم على نفسه بموتتين، أو لا يحكم بأن يموت مرتين، أو قد يموت أكثر من مرة، لكن -على الأقل- لا يتكرر السبب ذاته مرتين، فإن السم الذي اتضح له أنه سماً من المرة الأولى، لا يمكن لعاقلٍ أن يعود ويتناوله في مرة جديدة، أو أن يتناول ما يشبهه، هذا انتحار أو هذا جنون!
   

لا أضمن لك إذا عاودت تكرار أخطائك، أو إذا عاودت الوقوع في نفس المطب، لا أضمن لك إلا هدماً للعمر والعقل والطاقة الكامنة فيك

تماماً كأي مكافح، كأي غارس، يحرث في أرضٍ ما كي تزهر، إن ما تأكد أنها صحراء بور جرداء مقفرة، تولى عنها نهائياً، فإنه لا يمكنه أن يفني عمره في اللاشيء – إنها قمة الحماقة !الأهم من ذلك أني أردت القول أن الخطأ ليس عيباً، ليس نهاية، وليس حكماً أخيراً بالموت، بل إنه محطة بعث جديدة، وفرصة صادقة للتنقيب وراء حقيقة الأشياء وطبائعها والتعرف على معطيات جديدة – لا تشبه بالضرورة المعطيات التي ألفتها في حياتك الطبيعية، وكانت التجربة محطة أساسية يجب أن تكون، كحجر أساسي في مفترق النضج المقرر لك في مرحلتك العمرية الحالية، تضيف إليك وتبني فيك كثيراً.

 
أما إذا عاودت وزللت في ذات المطب مرة أخرى، فإن الأمر حينها عبارة عن حكمٍ نهائيّ بالموت، وعبارة عن تحكيمٍ غير منطقيّ أو عن تغييب للعقل، وقرار أكيد بالضياع .هذه الفرصة التي تتاح لك كي تبلغ درجة إضافية من الوعي والنضج والتفكير، وكي يزهر الورد في مراحل حياتك المختلفة، أو كي تكون مؤهلاً للبناء – هذه الفرصة التي عبرتها بمحض قدر، استخدِمها كفصلٍ من فصول التعلّم وطبقها في حياتك ملياً، تأكد أنك ستصل بهذه الطريقة إلى مجمّع ضخم من النضج والمعرفة وأنك ستبلغ في حياتك مبلغاً جميلاً، عدا ذلك فأنا لا أضمن لك إذا عاودت تكرار أخطائك، أو إذا عاودت الوقوع في نفس المطب، لا أضمن لك إلا هدماً للعمر والعقل والطاقة الكامنة فيك، تماماً كذلك الذي أوتي من المال مبلغاً فهمّ بحرقه أو تمزيقه.
 
ويحك! أتحرق عمرك وهو أغلى الذي أوتيته في حياتك على الإطلاق! ثم تحكم على نفسك بأن تعيش حياتك لا تجيد إلا عض أصابع الندم، وقد كانت هذه الأقدار رحيمة بك، رؤوفة جداً يوم أن أرسلت إليك دروسها في طبقٍ مصغر، وأوضحت لك بوصلة الطرق من البداية كي توفر عليك عناء الإبحار في وجهةٍ غير صحيحة أو الكدح في أرضٍ غير كفؤة، انتبه، كن فطناً، انبعث من أخطائك، لا تكرر خطئاً البتة، ولا تحكم على نفسك المكتنزة بالطاقة والطموح أن تموت مجدداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.