شعار قسم مدونات

بأي حالٍ عدتَ يا رمضان؟!

blogs التراويح برمضان

تمرُ السنون تلو السنون ويأتي رمضانٌ ويرحل آخر ونحن لا نزال نمني النفس برمضانٍ أخر قادم علْنا نجدُ فيه روحانيتهُ ونتذوق حلاوته حيث لم يعدْ للأيام طعم ومذاق وللمناسبات حلاوتها، أيامٌ أو ربما ساعات تفصلنا عن هذا الشهر؛ الشهر الذي لطالما كنا ننتظره بشغف وتلهُّف، قد أقبل علينا أو قد يقبل علينا أخيراً، ولكن بأيةِ حالٍ سيطلُ بها علينا هذه المرّه؟!، هل سيكون كما عهدناه؟ أو ربما كما يخيلُ إلينا؟

 

لا أعتقد! لن يكون كما أعتدنا عليه بالفعل، ليس كما لو أن ضيفاً عزيزاً قد أقبلْ، كيف لا! وهناك من لا ينتظره!، كيف لا! والألاف لا يزالون متضطرين للتسول متخذين من الشوارع سكناً ومأوىً لهم، كيف لا! ومئات الأسرِ لا تزال تنتظر الجمعيات الخيرية لأن تجود عليهم، كيف سيكون رمضان في سوريا، في اليمن، في ليبيا، في العراق، وفي الكثير من الدول التي طالتها يد الخيانة والبغي والتي شاءت الأقدار أن يتحكم في مصيرها فاقدوا الإنسانية والضمير.

 

كيف سيكون رمضان في الكثير من الدول التي لم تكتمل بها فرحة استرداد الحقوق المسلوبة، فرحة الديموقراطية ودولة الحقوق، كثيرون هم من سيقضون رمضان هذا العام خارج أوطانهم، بعيداً عن الأرض التي كانت تأويهم، هناك في المخيمات وفي العراءْ، بعيداً عن فلذات أكبادهم وأعزاءهم والذين لا يحلوا رمضان إلا بهم، بعيداً عن مراسيم وأناشيد الاستقبال المعتادة عند قدوم هذا الشهر، بعيداً عن مظاهر الزخم التي اعتدنا عليها، بعيداً عن الأرض عن المسكن عن المأوى والتي لطالما لها نكهتها الخاصة لا سيّما في هذا الشهر، هم ذاتُهم من سيكتفون بالصمت حيال استقبالهم هذا الشهر حيث أنين أوجاعهم وموت مطالبهم المخنوقةَ في صدورهم وذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع، هم كذلك سيكونون بعيدين حتى عن ذواتِهم.

ما رمضان إلا إحدى محطات مراجعة النفس والتي ينبغي على كل مسلم استغلال هكذا فرصة وذلك بمحاسبة النفس وإعادتها إلى بارِئها
ما رمضان إلا إحدى محطات مراجعة النفس والتي ينبغي على كل مسلم استغلال هكذا فرصة وذلك بمحاسبة النفس وإعادتها إلى بارِئها
 

في الجانب الأخر هناك من هو فعلاً قد أبدى استعداده وتجهيزه لاستقبال رمضان ولكن على طريقته الخاصة، وذلك كونهُ شهر للتجمعات والسهر على الملذات، فهناك من جهز الرسيفرات وضبْطَ القنوات الفضائية وذلك استعدادا لمشاهدة المسلسلات والأفلام والوثائقيات والفوازير والتفنن في الأكلات وألوان الأطباق المختلفة وتصوير كل ما لذَ وطاب، غير معَبرين عن حرمة هذا الشهر أو معتبرين من ما يدور حولهم في عالم قد ساده الظلمُ والطغيان حيث أصبح الفقرُ أسلوب حياة والقتلُ لغةُ الحوار الوحيدة والمفهومة، السهرُ على ما هو مباحٌ وغير مباح إضافةً إلى التسكُعُ في المولات والأسواق هو أيضاً قد يكون له نصيباً في هذا الشهر، ولكن لماذا شهر رمضان على وجه الخصوص؟، أين حرمةُ هذا الشهر؟ ألا يكفي فعل كل ذلك طوال العام؟!

ما رمضان إلا إحدى محطات مراجعة النفس والتي ينبغي على كل مسلم استغلال هكذا فرصة وذلك بمحاسبة النفس وإعادتها إلى بارِئها بكثرة الصلاة والقيامِ والصدقة والابتعاد عن المحرماتِ والشهواتِ والشبهاتِ والمنكرات والتي يعجُ بها واقعنا الحالي للأسف لا سيّما مواقع التواصل الاجتماعي والتي تلعبُ الدور الأكبر في ذلك، تفقد أحوالِ المسلمين وخصوصاً أولئك الذين طالهم البلاء والفقر والتهجير وكل معاني الظلم واللا إنسانية بالدعاء لهم أولا ً ومن ثمَ بذل ولو جزءاً مما نملك وذلك لإعادة ولو بعضاً من الروح المسلوبة إليهم وذلك بالدعاء لهم والمعاملة الحسنة.

 

ولا ننسى الدعاء لأمتنا ومجتمعنا بالصلاحِ والتمكين، لا أن يكون نصيبنا من هذا الشهر هو الجوع والسهر والعطش كما قال تعالى على لسان نبيهِ الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، ورُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَر" راجين من المولى عز وجل أن يعيد لهذه الأمة قوتها وعزتها والنصر على أعدائها، وأن يعيننا على صيام هذا الشهر وقيامه وقطف ثمراته وأن يعتق رقابنا ورقاب أباءنا وأمهاتنا من النار إنه ولي ذلك والقادر عليه. فما هو إلا ضيفٌ (شبهُ عزيز) سريع الرحيل، فأحسنوا ضيافته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.