شعار قسم مدونات

لماذا نرفض "العيب" ولا نرفض الحرام؟

blogs قيادة المرأة
علينا أنّ نقر ونعترف بأننا نعيش في زمان أصبح الاستدلال فيه بأحكام الدين الإسلامي خصوصاً أو بالأديان عموماً، في الكلام عما يجري في واقعنا المظلم، قد لا يروق للكثير منا بل قد يرفضه. فتقول مثلاً: بأن ذلك حرامُ أو منهيُ عنه في الشريعة الإسلامية، فلا نرضاه ولا نحترمه. وكذلك الاستدلال بأفعال وأخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة الكرام أو السلف الصالح قد لا يستسيغها البعض ممن يرددون (تفتيح الدين) أو تطويره على أهوائهم، فيمجدون أفكار ماركس قديماً ويراهنون على أخلاق ترامب الآن.. لنستأنس إذن بربع أخلاق عمرو بن هشام "أبي جهل"! فرعون الامة في زمانه والذي آذى النبي وشتمه وكفر به وبدينه، ليس حباً به! ولكن قد سجل له التاريخ موقفاً أثبت فيه أن هذا الكافر أعلى شرفاً وأحسن مروءة من كثيراً من المسلمين ممن يفتقرون للأخلاق في الوقت الراهن! 

 
فعندما حاصر المشركون بيت النبي زمن الهجرة النبوية قيل لعمرو بن هشام وقتها: "كيف تركت محمداً يخرج من بين أيديكم ليلة الهجرة ويلحق بصاحبه؟! لِمَ لم تكسر عليه الباب وتأخذه من سريره؟! فأجاب: وتقول العرب: إن عمرو بن هشام روّع بنات محمد وهتك حرمة بيته!". فثقافة العيب والعرف هي التي كانت مانعة لأبي جهل بأن يفضح ويخزى في قومه وقبيلته.
 
رغم أن ثقافة العيب ما هي إلا "نتاج أعراف وتقاليد مبنية على طبيعة المجتمع، وما هي حقيقة إلى أقرب من اجتهادات شخصية تمّ تقديسها، ليربي الكبير عقل الصغير عليها، حتى ينصاع بشكل أعمى إلى اعتقادات وأعراف قد تكون قاتلة أو أهواء مدمرة تُخفي عيوب الجهل الذي اقترفه بحقه وبحق مجتمعه، ليراها كمالاً مطلقا، لأنها برمجت عقله ولقّحت عواطفه وكونت له منظومة جعلت منه بيدقاً يحكم بما تنُص عليه تلك المبادئ والنظم من غير تفكّر" فتراه تارةً يُحرم وتارةً يُعيب، من دون أي استدلال منطقي وعقلاني يستند إليه، كما أن خوف بعضهم من العيب، يعود لخوفه الحقيقي من أفراد بعض تلك القبيلة ومن خشية كلام الناس عليه، فيعيرونه ويعاتبونه إذا أراد أن يتصرف تصرفاً صحيحاً قد يرونه مغلوطاً بحجة العرف والعيب.

 

يكون العيب أقوى من الحرام، بأن لا يخاف ذلك الشخص ربّه إن ترك صلاته، أو عدم صومه في شهر رمضان. لكنه يخاف من أن يعرف الآخرون ويُعيّرونه بذلك! خشية الناس لا خشية الله!

إلا أنه ليس بالأمر السيئ مطلقاً باستخدام ثقافة العيب، بل على العكس! فإنه من الممكن استخدامها في مصلحة الدين فذاك شابٌ في ريعان شبابه أتى إلى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له: "يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا له: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) "رواه أحمد.

 
تعجب الصحابة الكرام عند سماع ذلك من الشاب، فزجروه وتعجبوا أكثر بطريفة تعامل النبي ـ صلىى الله عليه وسلم ـ فلم يوبخه ويببن له أهوال ذلك الفعل في جهنمّ، بل عالجه بطريقة تحاكي الإقناع العقلي وثقافة المجتمع لضعف الوازع الديني لذلك الشاب منذ التنشئة، فاستخدم ثقافة العيب والعرف لإقناعه وتوعيته فانصرف الشاب وأصبح أبغض شيء إليه هو أحب شيء كان عنده!
 
فليس من العيب في استخدام ثقافة العيب في حلول بعض المشاكل المجتمعية وخصوصاً الأخلاقية منها، ولكن من المحزن أن نصل إلى تلك الحال إلى أن يكون العيب أقوى من الحرام، بأن لا يخاف ذلك الشخص ربّه إن ترك صلاته، أو عدم صومه في شهر رمضان. لكنه يخاف من أن يعرف الآخرون ويُعيّرونه بذلك! خشية الناس لا خشية الله! "والله أحق أن تخشاه" … بأن نقدم العرف على الدين، بأن نربي أبنائنا على أن هذا عيب لأنه يخالف عادتانا وتقالدينا وليس لأنه حرام لا يحبه الله ويرضاه!، فتصبح هي المحرِّك الأساسي لأفكارنا وأفعالنا.
 
والأكثر حزنا وخجلاً بأن لا يكون الحرام أو العيب أو ما شئت أن تسميه مانعاً أو رادعاً عمّا يحدث في زماننا المؤلم المبكي. وكما قال أحدهم في وصف حالنا في هذا الزمان "اﻣﺮﺃﺓ ﺗﻐﺘﺼﺐ في ﺳﻮﺭﻳﺎ، وأخرى ﺗﺮﻣﻞ في ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، ﻭاﻣﺮﺃﺓ ﺗﻤﻮﺕ ﺟﻮﻋﺎً في ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ، ﻭاﻣﺮﺃﺓ ﺗﺬﺑﺢ في ﺑﻮﺭﻣﺎ، ﻭاﻣﺮﺃﺓ ﺗﺸﺮﺩ ﻭﺗﻌﺬﺏ في مالي.. ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻠﻖ ﺍﻟﻌﺮﺏ إلا على اﻣﺮﺃﺓ ﻻ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ في ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ"!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.