شعار قسم مدونات

هل جهز ترامب ساحة الحرب بين العرب وإيران؟

blogs دبابات

من البديهي بأن الأحداث الدائرة في الشرق الأوسط اليوم لم تعد قابلة مطلقا للتحليل في إطارها الداخلي أو المحلي، بل تحولت إلى كتلة من الأزمات المتشابكة والمترابطة إقليميا ودوليا. استنادا لذلك فان تحليل السيناريوهات المستقبلية لما قد يجري من أحداث يتطلب فهما عميقا للسياقات العامة للعبة الجارية وما يرتبط بها من مصالح وأجندات وتحالفات قد تكون في كثير من الأحيان آنية وغير مستقرة. وإذ يطالعنا في هذه الأيام خبر إمكانية سحب القوات الأمريكية من سوريا واستبدالها بقوات عربية، فما هي يا ترى أبعاد وارتدادات وأهداف مثل هذه الخطوة إن تمت بالفعل؟

السيناريو الأول: توريط العرب

يرجع البعض نية انسحاب القوات الأمريكية من سوريا إلى انتهاء مهمتها في محاربة تنظيم الدولة. بالنسبة لنا هذا تفسير غير منطقي. والسبب في ذلك هو قناعتنا بأن تنظيم الدولة ما هو إلا الشماعة التي جاءت بذريعتها قوى العالم كله لتبحث عن مصالحها على الأرض السورية.

 

فالولايات المتحدة شكلت وقادت تحالفا من ستين دولة لمحاربة داعش، وبسبب داعش جاءت القوات الروسية إلى سوريا، وبسبب داعش تبرر إيران وجودها اليوم، وبذريعة داعش يسوق بشار الأسد روايته في محاربة الإرهاب، بينما الحقيقة مختلفة تماما عن كل هذا. ولو أخذنا روسيا مثالا لوجدنا بإن القوات الروسية التي جاءت إلى سوريا بحجة داعش لم تنفذ إلا أقل من عشرة في المئة من غاراتها على مواقع التنظيم، بينما انصب الباقي على رؤوس المعارضة المسلحة والمدنيين في مختلف المدن والبلدات السورية الخارجة أساسا عن سيطرة التنظيم والمصنفة لدى المجتمع الدولي كمعارضة معتدلة.

إرسال قوات عربية، وخاصة سعودية، إلى سوريا لا يمكن أن يعني إلا مشروعا لتوريطها في صراع مع الأطراف المسيطرة في سوريا حاليا من روس وأتراك وإيرانيين

فما هي يا ترى أهداف الولايات المتحدة من وجودها في شمال وشمال شرق سوريا؟ بالإضافة إلى بعض الأهداف الثانوية الأخرى، فإننا نعتقد بأن الهدف من الوجود الأمريكي هناك هو دعم وتمويل وتدريب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وذلك من أجل تأهيله بعد انتهاء مسرحية داعش لإقامة كيان انفصالي في شمال وشمال شرق سوريا.

 

إن تحقيق هذا الهدف يتماشى مع المخطط الأمريكي والإسرائيلي العام للمنطقة والمتمثل فيما يسمى بالشرق الأوسط الجديد والذي يشمل دولا وكيانات ممزقة ومشتتة على أسس قومية أو إثنية أو دينية أو طائفية بما يضمن استمرار نزاعاتها وحروبها البينية إلى أجل غير مسمى أولا، وبقائها تحت رحمة الولايات المتحدة ثانيا وضمان التفوق الهائل لإسرائيل عليها ثالثا. فغني عن البيان بأن نجاح مثل هذه الخطوة الانفصالية (التي تم تطبيقها في العراق أيضا وباءت بالفشل) سيمهد لتفعيل التفتيت والتقسيم في سوريا والعراق وتركيا وإيران وصولا إلى الخليج العربي.

وبما أن هذه الخطة المعتمدة على العنصر الكردي قد باءت بالفشل نتيجة للموقف التركي الحاسم تجاه هذه القضية والذي تم ترجمته من خلال درع الفرات ومن ثم غصن الزيتون، فإن الولايات المتحدة تتجه للبحث عن استراتيجيات بديلة لاستكمال المخطط، فتم طرح قضية إرسال قوات عربية إلى سورية لتحل محل القوات الأمريكية. رأس الحربة في هذه القوات، إن تم تمرير الخطة، ستكون على الأرجح قوات سعودية، مدفوعة بالرغبة الجامحة لدى القيادة الحالية لهذا البلد في التصدي لإيران ولجمها في المنطقة.

قد يكون الانسحاب الأمريكي من سورية مقدمة لعمل عسكري يتم تحضيره ضد إيران خاصة بعد قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي معها
قد يكون الانسحاب الأمريكي من سورية مقدمة لعمل عسكري يتم تحضيره ضد إيران خاصة بعد قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي معها
 

إن إرسال قوات عربية، وخاصة سعودية، إلى سوريا لا يمكن أن يعني إلا مشروعا لتوريطها في صراع مع الأطراف المسيطرة في سوريا حاليا من روس وأتراك وإيرانيين. ومع أخذنا بعين الاعتبار مدى الاحتقان الموجود بين السعودية وإيران على وجه الخصوص، فان أي قوات سعودية على الأرض السورية لن تكون بعدية أبدا عن الاستهداف الإيراني، مما قد يفتح المجال أمام سيناريوهات أكثر سوءا واحتمالات قد تتطور إلى حرب إقليمية، وخاصة فيما إذا انسحبت القوات الأمريكية تماما من هناك.

 

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الأمريكيين، إن قاموا بالانسحاب الكامل، فقد يعطوا بعض الضمانات لهذه القوات بأنهم سيتدخلون لحمايتها إذا لزم الأمر، إلا أن الوعود الأمريكية لا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار إطلاقا. ففي الماضي القريب جدا فقط ذهبت أدراج الرياح كل الوعود الأمريكية للأتراك بخصوص عدم تسليح الأكراد وضمان انسحابهم إلى شرقي نهر الفرات بعد هزيمة تنظيم الدولة. وعلى رأي القائل: من لم يتعلم من دروس التاريخ سيضيع بين خرائط الجغرافيا.

السيناريو الثاني: مواجهة إيران

قد يكون الانسحاب الأمريكي من سورية مقدمة لعمل عسكري يتم تحضيره ضد إيران خاصة بعدما قرر الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي معها، وذلك نظرا لأن القوات الأمريكية الموجودة في سورية قد تكون عرضة لضربات انتقامية إيرانية باعتبارها خاصرة رخوة نوعا ما.

 

لكننا نرى بأن هذا الاحتمال يبقى أقل ترجيحا لسبب رئيسي يتعلق بقناعتنا بأن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لن تتورطا في صرف أي دولار أو التضحية بأي جندي في أي نزاع عسكري في المنطقة طالما أنهما تستطيعان تنفيذ كل مخططاتهما باستخدام مال ورجال دول أخرى لديها الرغبة والاستعداد.. لكن في حسابات السياسة وفي عصر الجنون الذي نعيشه اليوم.. لا يوجد أي شيء مضمون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.