شعار قسم مدونات

بالحب والقدوة.. كيف يهزم شبابنا وهم الحضارة الغربية؟

مدونات - الشباب

ما أجمل حياة الحرية والتحضر! ما أجمل أن تعيش متميزًا متألقًا جميلًا في مظهرك وتعاملك ويشار إليك بالبنان! هي الشامة الجميلة التي تزين وجه الحسناء وتلفت انتباه الجميع والتي دعانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نكون مثلها، فقد قال عليه السلام-: "أَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالشَّامَةِ فِي النَّاسِ"، فليس غريبا أن تسعى الفتاة والشاب أن يلبسوا أجمل الملابس ويتزينوا بأرقى الإكسسوارات فهذا شيء جميل وهو جزء من تميزنا الخارجي والداخلي الذي دعانا الإسلام إليه.

 

بيد أن الكثير من فتياتنا وشبابنا باتوا يخلطون بين هذا الجمال والتحضر وبين محافظتهم على دينهم وعقيدتهم وإرضائهم لربهم، وبات للتحضر مفاهيم جديدة يستقيها شبابنا وفتياتنا من الغرب الغارق في وحل الشهوات والملذات، وصرنا نسمع عن مناقشات عاصفة على مواقع التواصل الاجتماعي تملؤها مفردات غريبة عن جوهر ديننا وعقيدتنا، فالبعض بات ينادي بالحرية المطلقة التي يعيشها الشباب والفتيات في الغرب، والبعض الآخر بات يركز على مفهوم أن الدين في القلب وأن اللباس ما هو الا مظهر لا علاقة له بالالتزام، وتراهم يُدلّلون على ما يدعون اليه بالإشارة إلى بعض الممارسات السيئة التي تخرج من الفتيات المحجبات والشباب الملتحين رواد المساجد أو حفظة القرآن.
 

اليوم بات مطلوبًا من الغيورين على دينهم وإسلامهم وحضارتهم أن يعيدوا تلك الحضارة من خلال ممارستها في حياتهم اليومية، ابدؤوا بأنفسكم وشكلوا نماذج حقيقية لما تحبون أن تشاهدوه

إن المتأمل لعمق هذه المشكلة يجد أنها تنبع من غياب اعتزازنا بحضارتنا وديننا مقابل انبهارنا بالحضارة الغربية وبريق الحياة القادم الينا عبر فضائيات تظهر كل ما هو جميل في تلك الحياة وتخفي ويلاتها ومساوئها، فكما جاء في مقدمة ابن خلدون أن "المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب"، وكيف لا يقتدي شبابنا بالغرب وهو الذي يصدر إلينا كل أدوات الحياة اليومية ويتحكم فيما نشاهده عبر الفضائيات والإنترنت. المهم في كل ما ذكر هو كيف يمكن لنا أن نخرج شبابنا وفتياتنا من هذه الدائرة؟

ما الدور الذي يمكن أن تلعبه مدارسنا وجامعاتنا من أجل أن لا يضيع شبابنا في وهم الحضارة الغربية؟ وكيف يمكن أن نحمي عقول شبابنا وفتياتنا من أن يستسلموا لتلك الحضارة ويضيعوا تحت وطئة نتائجها؟ للإجابة على كل هذه الأسئلة نحن بحاجة إلى أن نجيب على سؤال واحد وهو: كيف يمكن لك أن تقنع طفلا أن لا يقتدي بوالده السيء؟ فقد شبه ابن خلدون تقليد المغلوب للغالب بتقليد الطفل لوالده لاعتقاده الكمال فيه، وهذا يبدو أمرًا معقّدًا فالطفل لم ينضج ليخاطَب بلغة العقل والإقناع، ولا نستطيع أن نتركه حتى ينضج وقد ترسخت فيه العادات القبيحة التي نريد أن لا ينشأ عليها.
 
اليوم ونحن ندير الحوارات مع بعض المنبهرين بالحضارة الغربية نجدهم كالأطفال؛ غريبين وغير منطقيين، فإن تحدثنا لهم عن أرقام حالات الاغتصاب والأطفال غير الشرعيين والانتحار والتحرش والإدمان ومرضى الإيدز وغيرها من نتائج الحريات غير المضبوطة بدين، تراهم لا يعيرون ذلك اهتماما ويبقى إصرارهم كما هو على المضيّ قُدُمًا بتقليد تلك الحضارة وتذوق حلاوتها الظاهرة لهم. هؤلاء التائهون بحاجة إلى لغة أخرى للحديث معهم، لغة الأبوة والحب والتعاطف، هم بحاجة إلى أن يتقرب إليهم من يحمل قِيَمًا وحضارة أفضل، ويحبهم ويحبونه، وأن يشكل نموذجًا جديدًا أمامهم، فيبدأ حبهم له بالتحول إلى تقليد واقتداء كما تحول حبهم للحضارة الغربية إلى تقليد واقتداء؛ وبقدر ما يتفوق الحب بقدر ما تزداد قوة الجذب لترك تقليد الغريب والانتقال إلى تقليد القريب المحب. هذه الطريقة نجح عبرها العديد من المدرسين ومشايخ المساجد في انتشال بعض الأطفال من بيئات سيئة وتشكيل نماذج قدوة جديدة لهم غلبت بالحب حتى تقليد الآباء.

   undefined

 

المشكلة التي يعاني منها شبابنا اليوم هو غياب تلك العلاقة الأبوية بين من يحملون هذا الدين وبينهم، ومن ناحية أخرى غياب القدوات الحقيقية التي تجمع ما بين قدرتها على نسج المحبة بينهم وبين الشباب، وقدرتها أيضا على أن لا تناقض نفسها، وأن يكون باطنها كما ظاهرها. لقد صدم الشباب والفتيات بنماذج كثيرة ممن انبهروا بجمال ما يحملونه من دين ثم ما لبث واقعهم أن كذب حقيقتهم، فبات لسانهم المعسول والقيم التي يدعون إليها مجرد كذبات مزينة بالدين أمام حياتهم العملية.

 

أما المشكلة الأخرى التي تدفع الشباب والفتيات إلى التمسك بما يجدونه في الحضارة الغربية والابتعاد عما يقربهم من هذا الدين فهي ظاهرة صكوك الغفران من بعض من اشتهر عنهم التدين، فتراهم ينصبون أنفسهم قضاة لا دعاة، وتراهم يتهجمون ويسبّون الشباب والفتيات غير الملتزمين أو الممارسين لبعض طقوس الحياة الغربية، بدل أن يتقربوا إليهم ويحبوهم ويوفروا لهم البدائل، فالدعوة إلى الله لم تكن يوما الا بالحب والمودة والموعظة الحسنة، ولم نسمع يوما عن شاب أو فتاة أغرته شهوات الحياة عاد إلى دينه ورشده بالسباب والتقريع.

 
اليوم بات مطلوبًا من الغيورين على دينهم وإسلامهم وحضارتهم أن يعيدوا تلك الحضارة من خلال ممارستها في حياتهم اليومية، ابدؤوا بأنفسكم وشكلوا نماذج حقيقية لما تحبون أن تشاهدوه، ثم لا تكثروا الكلام عن قيمكم ومبادئكم بقدر ما تكثرون من الحب والاهتمام بمن حولكم، سيتحول هذا الحب إلى قوة جذب هائلة لتقليد ما تتصرفونه في حياتكم اليومية، لكن احذروا من التصنع في الحب والتصنع فيما تمارسونه في حياتكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.