شعار قسم مدونات

أشكالية الهوية الجزائرية بين الأمازيغية والعربية

مدونات - الجزائر الأمازيغ
يعدّ تحديد مفهوم موحد للهويّة من أهمّ القضايا التيّ يجب أن يفتح حولها نقاش جدي وفعال في الوقت الرّاهن، سواء على المستوى السّياسي أو على المستوى الثّقافي الاجتماعي، وأن تحدد الإشكاليات التّي تعيق عملية تشكل الشّخصيّة الوطنيّة في ظلّ هويّة موحدّة جامعة. هذا النّقاش وإن تمّ الفصل فيه على مستوى الدّوائر الرّسمية، إلا أنّه لم يفصل فيه بعد على المستوى السّياسي، والثّقافي، والاجتماعي، مما يدفعنا للتّساؤل: هل إشكالية الهوية بين الأمزغة والعوربة موجودة فعلا منذ القدم أم هي وليدة المرحلة الاستدمارية؟ وأين تكمن بالتّحديد؟ وما مدى تأثيراتها على تشكل الشّخصية الوطنية ؟، وهذا ما عنيته بضرورة فتح نقاش جاد لإيجاد حلول موضوعية، شفافة وصادقة للمحافظة على وحدة النّسيج الاجتماعي والجغرافي للمجتمع الجزائر.

  
السؤال: هل إشكالية الهوية بين الأمزغة والعوربة موجودة فعلا منذ القدم أم هي وليدة المرحلة الاستدمارية وما بعدها؟ إنّ المتتبع لحركية الفتح وما بعدها، وما حمله الفتح من مظاهر الحضارة والتّمدن، والرّقي الاجتماعي، والسّياسي، والاقتصادي، والتّفاعل الإيجابي داخل النّسيج الاجتماعي الموحد بفعل الخطاب المسجدي المعتدل والمتوازن، الذّي يحمل قيم العدل، والحرية، والشورى، والعلم، والعمل، ليدرك أنّه لم تكن هناك إشكالية هوية بين العرب والأمازيغ قط، وإن تخلل العلاقة بينهما بعض الصدامات إلاّ أنها لم ترق إلى ما ذكرت، يقول في ذلك الدّكتور عثمان سعدي: قبل دخول المستعمر الفرنسي المغرب العربي ابتداء من الجزائر سنة 1830، لم يكن هناك أمازيغي واحد قال بأنّه أمازيغي وليس عربي، أو طالب باعتماد اللّغة الأمازيغية بدل اللّغة العربية.

  

إشكالية الهوية ما هي إلا صناعة سياسة استعمارية خبيثة، القصد منها تفكيك البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري، ليسهل عليهم التّحكم في مقدارت الشّعب وخيراته

وهذا ما أكده الأستاذ عمر عسعوس حيث قال: إنّه لم يكن للبربر بصفة عامة ولبربر الجزائر بصفة خاصة في يوم من الأيام منذ دخولهم الإسلام حس بهوية ثقافية مستقلة عن بقية مجتمعات المغرب العربي عامة والمجتمع الجزائري خاصة، ولعل خير دليل على ذلك ما ذهب إليه الأستاذ روبرتس حيث يقول: وغياب الوعي بهوية مستقلة لدى البربر له جذوره فيفترة ما قبل الإسلام. حيث أن التّوزيع الجغرافي للجماعات البربرية، وعدم وجود لغة مكتوبة لديهم واعتمادهم على الهجرة الذّكرية المؤقته إلى المدن.. كل هذه الأشياء مجتمعة تفسر غياب وجود وعي بربري مخالف أو أمر معاد لقضايا وأولويات الحس الوطني العربي.

  

 وأدى التّداخل، والانصهار، والتّفاعل بين العرب والبربر إلى إيجاد مجتمع موحد يحمل خصائص وصفات كل منهما، قال الأستاذ محفوظ نحناح: فانصهرت في بوتقة التّاريخ المشترك ثورية وعزة الأمازيغ مع شهامة وشجاعة العرب، في ظل سماحة الإسلام وعدله، ونتج عن ذلك مجتمع جديد، المجتمع الذّي فتح أبناؤه الأندلس.. المجتمع الذي رفض الرّضوخ لكل الغزوات والهجمات.. وعلى هذا فهويتنا العرقية هي الأمازيغية البربرية التي تفاعلت بدخول العرب، وحملت معهم رسالة الحضارة والقيم الإنسانية، عن طريق لغة القرآن، هذا التّفاعل التّاريخي يقودنا للوقوف عند حقيقة مفادها أنّ إشكالية الهوية ما هي إلا صناعة سياسة استعمارية خبيثة، القصد منها تفكيك البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري، عن طريق زرع النّعرات العرقية والجهوية، ليسهل عليهم التّحكم في مقدارت الشّعب وخيراته، سواء إبان المرحلة الاستعمارية أو ما بعدها، وذلك وفق مخطط ممنهج مدروس، وما يدعم هذا الرأي هو اقتصار عملية ظهور الحس بالهوية البربرية في بلاد القبائل في الجزائر وحدها دون غيرها من المناطق البربرية سواء في الجزائر أو المغرب أو تونس أو ليبيا أو مصر، حيث كانت ممارسة سياسة التفرقة العرقية تمارس في بلاد القبائل الجزائرية.

  
حيث كانت ممارسة سياسة التفرقة العرقية تمارس في بلاد القبائل الجزائرية"، وقد أجمل الأستاذ سمير أبيش أهم عناصر هذا المخطط في الآتي: 
– إبراز الهوية القبائلية البربرية في الجزائر مع إنكار الهوية العربية واعتبارها هوية دخيلة.
– إنشاء إذاعة باللّغة القبائلية لإيهام العالم بوجود تعددية لغوية، وذلك للتّقليل من هيمنة اللّغة العربية.
– دعم نظرية أوربية العرق البربري عن طريق علماء الأنثروبولوجيا، ومن بينهم " لين لويز ماري " الذّي نشر دراساته المختلفة في المجلة الإفريقية من سنة 1881 م إلى سنة 1903م، ومن بينها "أصول البربر دراسات لغوية وعرقية".
– تنشيط اللّهجات البربرية ووضعها ضمن قواميس مترجمة " قبائلية – فرنسية -.
– فرنسة البربر عن طريق منح فرص التّعليم المتقدم، وذلك لخلق طبقة مفرنسة تخدم مصالح المستعمر.

    
وقد أثمر هذا المخطط نوعا ما إبان المرحلة الاستعمارية ونجح في التّغلغل داخل الوجدان الثّقافي للقبائل البربرية، مستغلاً في ذلك الحزازات البربرية تجاه القومية العربية وكاد يعصف بالثّورة المباركة، لولا حنكة قياداتها وتشبعهم بوحدة الوطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.