شعار قسم مدونات

ومن السلبية ما قتل.. تجربتي مع العمل التطوعي

blogs العمل الخيري ، متطوعين
تمضي الأيام.. تترك أثار الزمن على محيانا.. غير أننا لا ننسى أبدا ما عشناه. أيام الطفولة بأفراحها.. فرحة العيد بلباس جديد.. وفرحة العيدية لبداية عام جديد. إنها أيام كنا فيها نمضي ساعاتنا بين كتب الدراسة وقسم المدرسة واللعب فلا نبالي. تأتي فيها أخرى بعد ذلك لتحيي فينا ذاك الشعور بالمسؤولية والرغبة في الاحساس بفخر الوالدين تجاه ما نحققه للبشرية.

نبدأ بدراسة ما في كتب المقررات الدراسية لنحلل المواعظ الدينية والسنة النبوية الشريفة ونتجاوز كل ذلك لنقد قصص والأفلام السينمائية ولا يهدأ لنا بال حتى نفك ألغاز روايات أجاثا كريستي البوليسية. إنه الصبر وحب الاستطلاع وطول النفس واحساس بالمسؤولية تجاه ما يراد إيصاله من عبر ودروس سرمدية.. لكن لأجل من؟ لأجل تلك القوة الشابة الكامنة في كياننا.. لأجل تلك الرغبة الجامحة في تحقيق الذات وحصد أدوار البطولة.. هي نفسها منبت الشعلة التي توقد أيام الثانوية وهي الاساس الذي تنبني عليه أحلام هذه المرحلة الفتية.. تلك الأحلام التي ندرك في المستقبل القريب انها تتحقق على هيئة غالبا ما تكون أفضل مما كنا نأمل غير أنه لا يرى في الواقع ما يحيل على هذا بالنسبة لكثير من الحالات الإنسانية.

إن في التفكير الإيجابي ما يجعل العقل يتساءل.. ما يحيل المرء على طرح أسئلة كثيرة منها: لماذا تضع كثير من الطاقات الشابة الواعدة معيقات واهية أمام سعيها وتقدمها؟ الشيء الذي غالبا ما يكون نتيجة تجربة فاشلة لحالة إنسانية اجتماعية لا تمت للأغلبية بصلة؟ سأذكر مظهرا من مظاهر التفكير الإيجابي الذي أراه صحيا في مجتمعنا ألا هو تلك العلاقات الاجتماعية التي أخدت تكثر في الآونة الأخيرة والتي تنمي قيمة العمل الجماعي والتعاون والتكتل لتحقيق هدف نبيل.

 

رحلة تحقيق الذات في نظري ما هي إلا رحلة إلى إنجاز عظيم.. إنجاز يستمد عظمته من إحساس بنبل ما يقوم به الشاب أو الشابة من عمل.. سواء أكان بمقابل أم بدون مقابل

من بين تلك الأهداف جمع الملابس للمحتاجين.. إفطار الصائم في شهر رمضان.. ترميم مدرسة في منطقة معزولة.. التكفل بعائلة تفتقر لمعين.. زيارة دور العجزة وإضفاء جو من الدفيء العائلي على من لا يجدون من سائل على أحولهم…إلخ. لقد كان لي نصيب من حظ هؤلاء الشباب الذين تذوقو حلاوة طعم مشاركة الغير لهذه الأوقات البطولية. كان الحظ حليفي أن شاركت أجمل سنين دراستي الجامعية مع أنبل الشباب.. مع خيرة شباب وشابات عاصمة سوس -مدينة أكادير ببلدي المغرب. تجربتي هي تجربة كل شابة أو شاب مارسوا العمل التطوعي الجماعي. هي تجربة لم أمارس فيها عملا جماعيا فحسب بل تعدى ذلك ليكون بذل لمجهود تكتلي نبيل وتعايش تحكمه قوانين ذات بعد قيمي إنساني وديموقراطي يغلب عليه نكران الذات وقيمة العطاء في سبيل تحقيق هدف محدد متفق عليه بشكل جماعي.

إن مسألة النظرة السلبية التي تجتاح الشباب والشابات حتى قبل بداية تحدي شهادة الباكالوريا إلى ما بعد مرحلة الثانوية والحياة الجامعية وروتين البحث عن فرصة عمل في نظري حلها كالسهل الممتنع. سهل إذا ما كان المنطلق هو أن يكون الانسان راض بمبدأ من جد وجد ومن زرع حصد وممتنع إذا ما كان منطقه المبدأ ذاته دون الرضى والقناعة بأن من جد ولم يجد (ما كان يبحث عنه) فسيحصده بجد أكثر ومثابرة مضاعفة لكن ربما بسلك الدرب الذي يراه ميسرا بعد الجهد المبذول سلفا. رحلة تحقيق الذات في نظري ما هي إلا رحلة إلى إنجاز عظيم.. إنجاز يستمد عظمته من إحساس بنبل ما يقوم به الشاب أو الشابة من عمل.. سواء أكان بمقابل أم بدون مقابل.. لأن ما يبذل دون مقابل اليوم سيكون ذا نفع على الشخص والاخرين غدا.. كما أنه يكفي صفاء النية في بذل الجهد مع التركيز على الإنجاز بإتقان وكذا المضي في ذلك حتى يأتي اليقين.. ولنعلم أنه لا يضيع المعروف أبدا.

لقد علمتني تجربتي في العمل الجمعوي ألا أتشبث بأحلام ذات تفاصيل دقيقة مفصلة تفصيلا قياسيا.. بل علمتني أن أجعل أحلامي تتمثل في قيمة من القيم أو مبدأ من المبادئ…أن أحدد لنفسي نجوما في سماء صعبة الولوج وألا أحددها داخل إطار ضيق مرصع بأثمن الجواهر.. ألا أجعل لنفسي هدفا يخدم مصالحي فقط.. أن أجعله شاملا يحيي في نفسي إحساس البطولة والرغبة في إعطاء الأمل للأخر بأن الغد يبشره بالأفضل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.