شعار قسم مدونات

عيد رغم الجراح..

blogs عيد الفطر

تتوالى الأيام بسرعة وتمر الدقائق على هذا الشعب الحزين الموشح بالسواد لتنطلق أصوات المآذن وتعلن عن فرحة العيد وتصرخ الحناجر الله أكبر أنه فجر جديد فرغم الجراح والآلام سنعيش فرحة العيد. وسنعبر عن كل صرخة الله أكبر وانطلاقة يوم جديد ورغم المآسي والآهات سنلبسك أيها الثوب الجديد وبأي ثمنٍ سنشتري هذا الثوب لأبنائنا رغم الجوع رغم الحصار رغم الآلام لن نحرم الطفل فرحة منحه إياها رب هذا الكون المجيد ولكن انصتوا لآهات شعبٍ عاش في غزة مرارة الفقر والحصار ولوعة الفقد والظلم والاضطهاد.

ففي كل بيت حكاية ولكل أسرةٍ رواية حتى الصحفي الذي جاء ليعبر عن مسيرة هذا الشعب كان هو الشهيد فمن يكمل مشواره وينقل قضيته العادلة إلى العالم ويكون عدسة الحقيقة أما المسعفين فقد أصيبوا فمن يضمد الجراح صعدت أرواحهم إلى السماء فمن يلملم الأشلاء يا وطني. وترى الأطفال مبتورة سيقانهم فكيف سيلعبون وإلى أي مدرسة سيذهبون بعد اليوم فهنالك خلف الكثبان جنديٌ جبان يرتعش من الخوف فيضغط على الزناد ليقتل الحقيقة والبراءة وملاك الرحمة يظن أنه قد انتصر ولكنه في الحقيقة هارباً من شجاعة شعبٍ وجرأة طفلٍ وصمود سيدةٍ عجوز تنتظر لحظة النصر.

على حدودك يا غزة آلاف النكبات، آلاف الأحلام والضحكات المسروقة فمن أين نبدأ لنرسم لوحة شعب فيه الشيخ والعجوز في مقدمة الصفوف.. تتشابك الأيدي ويهتفون بصوت واحد من أجلك يا قدس جئنا.. فليسمع كل العالم، أن هناك قضية شعب أبى إلا وأن ينتصر رغم الجراح.. أن هنالك عيدٌ سوف يأتي رغم الجوع والفقر والحصار.

سيكـــون عيداً سعيداً رغم الجراح وسنرسم البسمة على شواطئ البحر الحزين وعلى سماء فلسطين ليراها كل العالم وليعلم الجميع أننا شعبٌ نحيا بالأمل ونصنع من الموت أحلامنا

ونقف الآن عند أولئك الأمهات الثكالى وهن ينظرن إلى هذا العيد البارد كالجليد، المليء بالجروح على أبنائهن شهيد كان أم جريح.. ويتساءلن أي عيد هذا؟ حين يتحول الكعك من شعائر الفرحة في العيد، إلى رحمة تقيمها الأمهات لأبنائهن والزوجات لأزواجهن وحتى الفتاة التي فقدت خطيبها.. كعك صنع مع كثير من الدموع والذكريات والوجع.. بدلاً من أن يصنع بالحب والضحك وتبادل الأحاديث الشيقة بين النساء.. 

حين يتحول العيد من تهنئة الأهل ولمة العائلة والسهر وتبادل الزيارات إلى مأتم ومواساة وذكريات "كان زوجي يحب كذا" "لو كان أخي لكان كذا" "أتذكر العيد الماضي حين كنا سوياُ والضحك يملأ المكان" وأحاديث كثيرة كهذه.. وتبقى الأمهات شاردة الذهن في الكرسي الفارغ مكان ابنها الشهيد أو ابنها الذي بترت قدمه أو الذي يصرخ من شدة الألم وليس باليد حيلة سوى التسبيح والدعاء، والزيارات ناقصة لأن فرداً منهم جريح لم يستطع القدوم..

لا أعلم كم سيكون العيد حزيناً.. صامتاً.. شاحباً، كم ستكون الدموع لاذعة، كيف ستكون الليالي موحشة وكئيبة على من ذاقوا ألم الفقد أم، أب، أخ، أخت، زوجة، ابن، ابنة.. ما هي طقوس الحزن التي سيعدونها للعيد.. وحين يهرب الآباء من نظرات الأمهات وقلوبهم تنفطر من الألم على فراق أحبائهم أو آلام أبنائهم حين يبكي الرجال وتصرخ غزة نحن شعب الصمود والعزة لا مكان هنا للبؤس واليأس. وسيكـــون عيداً سعيداً رغم الجراح وسنرسم البسمة على شواطئ البحر الحزين وعلى سماء فلسطين ليراها كل العالم وليعلم الجميع أننا شعبٌ نحيا بالأمل ونصنع من الموت أحلامنا ومن القهر آمالنا. نحن شعب خلقنا لنحيا ولنكون رغم أنف الحاقدين. عشت يا غزة وعاش أهلك ودمتم جميعاً سالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.