شعار قسم مدونات

لِماذا لَم أعد أشعرُ بالحَياةِ بِداخلي!

blogs حزن

شُعورٌ غريبٌ يَنتابُني منذُ ليلِ البَارحةِ عِندما رميتُ قهوتِي أرضاً ومزقتُ أوراقي وَقَلبتُ مَكتبَتي رأساً عَلى عَقبٍ حَتى سَاعةِ الحَائط لَم تَسلَمْ مِنْ الغَضبِ الّذي دَاهمني حِينها فَصوتها المُزعج يَزيدُ من نِسبةِ ارتفاعِ ضغطِ الدمِ في عُروقي! لِماذا أُبحرُ في ظلامِ اليأسِ دُون مرسىً..! دُون جَزيرةِ أملٍ أُقاومُ بِها رمقَ كدماتِ الحياةِ المتبقي لدى فتاةٍ هَرمتْ على كُرسيّها الهزازِ بُعكازةٍ خَشبيةٍ وهي بالعشرينَ مِنْ عُمرها.

حَاصرتها مَتاهاتُ عَلقمْ الواقعِ ومَتاهاتُ الضُغوطاتِ المُتتاليةِ؛ فألقت بِحتفِ روحِها إلى مَقبرةِ الّلاعودة ..!سُكونٌ أنزلَ راحَتيه بالَمكانِ وظلامٌ دامسٌ استعرت قطعةً منه لففتُها حَول قلبي كفناً له لَتقومُ الأوردةُ بالجَنازةِ المَطلوبةِ والواجب الحقيقي لِكلّ ميتٍ.. فَدَفْنُ القلبِ خيراً له مِنْ نزيفٍ مستمرٍ أُنْهِكَه تعباً وصَفعات شُققتْ حَناياهُ لِقطعٍ صغيرة؛ كمرآةٍ مُحطمةٍ لألفِ قطعةٍ وقِطعة وفي كُلٍّ منّها حِكايةٌ مؤلمةٌ أكثرَ من الأُخرى…!

كُلَّ شيءٍ حَولي مُدمرْ كجسدي تماماً كأنَّ إعصارٌ جنونيٌّ داهمَ غُرفتي على حِين غفلةٍ فأحَلَّ بِها تِلك الفَوضى العَارمة…! يَميناً قَهوتي الحَزينةَ المُلقاةُ أرضاً تَروي أوراقي بِسحرِ مَذاقِها الذي أحسستُه عَلقماً بمذاقٍ وطَعمٍ جديدٍ؛ وشِمالاً قَلمي المُتزَّمرُ المُكتظمُ غضباً من حَالِ رفيقةِ العُمرِ والسنين… مَكتبتي والكتبُ الممزّقة والأوراقُ المتَطايرةُ في أرجَاءِ الغُرفةِ وسَاعَةُ الحائطِ المِسكينةُ. وَنَافذةُ غُرفتي المَهجورةِ والقمرُ الذي يُنادي لإلقاءِ التَحيةِ وصَفِير النّجوم المُتلألأة وسِحر الليلِ وغرامه ونسيمُ الشجر العليلُ الذي ينسابُ بداخلي وأوراقي التي تتطايرُ عِندَ تدوينِ لإحدى القصص مُحاولةً إثباتها من غضبِ الرياح بمحفظةِ أقلامٍ وصحنَ سجائرٍ صدءٍ يُقاسي تَقلّبَ الفُصولِ الأربعةِ وحيداً خارجاً…! وَالسؤالُ الذي يَطرحُ نَفسه لِماذا يحْدثُ كُلّ ذلكَ؛ لِماذا لَم أعد أشعرُ بالحَياةِ بِداخلي!

أنا الآن حبيسةَ غُرفةٍ بقضبانٍ أربع مِفتاحُ أقفالها عَلى الطَاولةِ ولا أستطيع الخروج؛ شيءٌ ما يُقيدني بلا شعور منّي ولا سابق إنذار..! فحقاً سَئمتُ تِلك الحَالةَ المَأساويّةَ والغَرقَ في ضَياعِ الوَهمِ

لَم أعدْ أراقبُ بزوغِ الشمسِ لأحتضنَ خُيوطها التي تَنسلُّ لداخلَ قَلبي؛ حَتى زهوري استَقلتٌ من ريّها فالمَوتُ أشرفُ لَها مِن أن تَرى أختها تَرويها بماءٍ ممزوجٍ بسمِّ المَشاكلِ والحَالةٍ الجُنونية المُصابة بِها؛ طُيوري التي تَراقصتْ قهوتي على ألحانها مع شَذى تلكَ الزهورِ الورديّة وعَبق الغَاردينا المُكللِ بقطراتِ الندى وَضعتُ أصَابعَ يدي في أُذنَيَّ لعدمِ سماعِها.. أينَ شغف قلبي لذلك! أين! إلهامُ قَلمي والدَواةُ والمَحبرةُ وصوتُ أوراقي وبياضها الذي أملأهُ بشعرٍ ونثرٍ وآحاديثَ على هلوساتٍ تحتَ البدرِ.

أمّا الآن حبيسةَ غُرفةٍ بقضبانٍ أربع مِفتاحُ أقفالها عَلى الطَاولةِ ولا أستطيع الخروج؛ شيءٌ ما يُقيدني بلا شعور منّي ولا سابق إنذار..! فحقاً سَئمتُ تِلك الحَالةَ المَأساويّةَ والغَرقَ في ضَياعِ الوَهمِ؛ كُلمَا وجَدتُ قشةَ أملٍ حاولتُ التشبثَ بِها لِمقاومةِ اليأس؛ أخَذَتها رِياحُ الخُذلان بعيداً وأنا بقيتُ بِدوامةِ الماضي المَرير أدورُ دَوراته الألف وفي كُلِّ دورة عَادتْ للذاكرةِ صفعةٍ مُؤلمةٌ تَلقيتها من أقربَ النّاس..!

ضَاعتُ الآن أُنثى الكِبرياء ومشيتها المُعتادة على أنغامِ خُلخالٍ وصوتِ كعبٍ يَتراقصُ عَليه عَشرات الرجالِ..! أين أنا الآن من ذلك! فتاةٌ ضَائعةٌ شاردةٌ حَبيسةُ أربعِ جُدرانٍ بَكماءُ صَمّاءُ ولَكنّها رغم ذلك عَنيدةٌ وصلبّةٌ رُغم صُراخي والضَربات المُتَوجِهة إليها لا تبكي ولا تشكي..! هِي حقاً جُدرانٌ جبّارة أكادُ من عجبي لها أُحْسدها على مَا هي عليه ؛ فأنا التي أنطقُ وأنظرُ وأسمع ركَعتُ من الصفعاتِ منخَارةِ القوى كلعبةٍ نفذ شَحنها..!

هَل هي الحَياة التي حَلمت بِها وَركلتُ بطنَ والدتي ستةَ شهورٍ وسببتُ لها وَجعَ ما يُعادل كسر 42 عظمة؛ ياليتني بقيتُ بجوفه؛ كنتُ مختبأةً عن البشرِ ونواياهم وعنِ الحقد وشروره وعن التنافسِ وأضراره؛ كُنت بعيدةً عن وجعِ الحبّ الذي شَطرَ قلبي ونزَفَ وريده حُباً وشوقاً حُزناً وألماً؛ كنتُ بعيدة عن خياناتِ الرفاقِ وطعنِ الشرفِ والأصدقاءِ الذينَ يَضمرون حقدَ مِليونَ سنّة! لماذا لم أعد أنا!؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.