شعار قسم مدونات

لا تجعل اهتمامك بالأخرين ينسيك نفسك!

blogs تفكير، تأمل
عندما نفقد البوصلة.. نصبح بلا هدف.. بلا رؤية واضحة.. فقط موجهون من أجل تحقيق رغبات الآخرين ننتظر تلك الأوامر كألات موجهة، العقل متوقف منذ أمد ومشاعر متبلده تنكر وجودها ونفس نسيت حقها في الوجود، ويصبح العالم رتيب ويبعث إلى الملل.. لا يوجد شيء بالداخل إلا الفراغ ومنظومة التوجيهات.. نحن عبارة عن آلات مبرمجة فقط لتحقيق حاجات الأخرين وملذاتهم.. حتى المشاعر تصبح باردة من كثرة التجاهل والإنكار لحاجاتها.

 

ما نراه اليوم في العالم العربي عبارة عن بشريين ينكرون وجودهم، لم تعد أنفسهم لها أي قيمة ولا يريدون أن يوقظوا تلك الأحلام التي تحطمت على أبواب لقمة العيش، وبعض الفتات من المال! لمن يضحون بأنفسهم سيتقدمون يوما بعد يوم في أعوامهم وسنواتهم ينظرون حينها لمرآتهم بعد أن أشبعوا غيرهم وحققوا أحلام أولئك الذين أنكروهم وسلبوهم جمال لحظاتهم..

 

في كل يوم فرصة لك أن تعيد برمجة تلك الألة أو تتمرد على تلك الألة اللعينة وتتعلم من جديد كيف تعيش مع الأخرين وهم يحيون ببوصلتك ويعرفون أهدافك يؤمنون برؤياك لا أن تعيش لأجلهم فقط تتنكر لكل ما حلمت وتحلم.. أن تعيش لنفسك قليلا قبل أن تنظر يوما لمرآتك ترى بها طيات وجهك الهرم نادما على ما قصرت بحق نفسك، الفرصة متاحة دائما ولكن تحتاج لقرار فيه تمرد وأن تزال تلك المخاوف والتي بنيت لك وأن تخرج من ذلك الصندوق الذي وضعوك فيه لتقدم أفضل ما لديك لنفسك ثم لهم أن تعيد ترتيب مواقع الأخرين والأنا في مصفوفة أولوياتك وابدأ باكتشاف عالمك الصغير في نظر الأخرين، ولكن كبير في نظرك أنت وأكثر أهمية من أي شيء.

 

إننا أحوج ما نكون لإعادة برمجة نفسنا وأن نخرج من حالة التلقي والتوجيه إلى حالة صناعة المستقبل بطريقتنا فنحن فئتين إما مغلوب على أمرهم بلقمة عيشهم أو فئة مستهلكة متلقية

ابحث عن الذين يشبهونك وصاحبهم ابحث عمن استطاعوا فعل ذلك قبلا فهم من سينتشلونك من ذلك التبلد الذي اخترق جوفك وأطرافك من سنوات، الأحلام وقودك في ذلك المرجل. في أحد الايام جلست بمحاضرة بعنوان الولادة من جديد للدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي أكثر ما أوقد عقلي فيها أن الإنسان عبارة عن أيام فإذا ذهب اليوم ذهب جزء منك وأهم ما في ذلك أن الإنسان عندما يتوقف وذلك الزمن يمضي يصاب بحالة من الاكتئاب الغير مبرر وقتها عقلت أن الإنسان إن لم يستشعر ويعمل وينجز سيحدث معه ذلك وأنه ما دام مسير من أجل الأخرين سيصاب بتلك الحالة وأعتقد أن هذا ما أصاب الكثيرين من هذا العالم المنهك الذي لا يملك بعض الوقت لنفسه ليتقدم هذا العالم وأقصد العربي تحديدا.

 

إننا أحوج ما نكون لإعادة برمجة نفسنا وأن نخرج من حالة التلقي والتوجيه إلى حالة صناعة المستقبل بطريقتنا فنحن فئتين إما مغلوب على أمرهم بلقمة عيشهم أو فئة مستهلكة متلقية تواكب ما ينفع ولا ما ينفع بمعظمها! أصبحنا شعوب مستهلكة حتى أخمص قدمينا وقراراتنا ليست بأيدينا لأننا برمجنا لنكون متلقيين كألات موجهين لا يسمع منا صوتا وحتى نخاف أن يسمع ذلك الصوت بداخلنا لكيلا نكسر ذلك القيد وأن نخرج من دائرة الراحة التي نعتقد أننا فيها وهي ملاذنا.

 

نبحث عن الراحة بالإنكار لذواتنا ونقول في أنفسنا هذا هو الحال وسنكمل كما أمرنا، نحن نعيش المنطقة الرمادية ونغلق أعيننا لكيلا نصبح في وسط الطريق لكيلا نخسر البعض أو الكل أحيانا لأننا بدأنا نمشي عكس تياراتهم فلا شيء يعنينا سوى رضى الأخر ولكن السؤال كم نحن راضيين عن أنفسنا كأشخاص وشعوب مبرمجة من أجل الأخر.. نحتاج أحيانا لمن يذكرنا بتلك الأحلام التي طالما كانت وقود لنا يوما.. نحتاج أحيانا لمن يهتم ويقدر ما نصنع.. ننظر لنجد قيمنا في أنفسنا أولا ثم نراه بقيمة من يؤمنون بنا.. ويقدرون ما ضحينا وتعبنا من أجله وتحولنا بالنهاية إلى آلات يوما! هذه لكل من يضحي ويتعب ويكافح من أجل إسعاد الآخرين ونسي نفسه يوما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.