شعار قسم مدونات

من قتل هلال كامل فينا؟!

مدونات - عوالم خفية هلال كامل
ربما هو مجرد مسلسل عظيم، للمثل رائع، ومخرج أروع، ولكاتب يستحق التحية، مسلسل عوالم خفية يجمع الشر بكل أطيافه ضد الحق الوحيد الذي كان يحمله هلال كامل، الصحفي الذي لا يجامل في الحق أحد، ولا ينافق ضد المظلوم -وينصر الظالم، أظن أنها صفات إلهية ربانية خلقت مع المسلمين، لكن أين انتهت وماتت ولم تعد موجودة الله أعلم- فإن الصدق والحق والدفاع عن مظلوم والبحث عن الحقيقة، كلها صفات كانت موجودة في شخصية درامية خرافية ليست واقعية، لكن صفات الحق والصدق وعدم الخيانة التي وضعت في هذه الشخصية الدرامية، هي صفات واقعية امتدت لقرون مع المسلمين، لهذا علينا أن نطرح سؤال مؤلم قليلا، من قتل هلال كامل فينا؟

 
من وضع هلال كامل في مسلسل درامي خيالي، وضع له دولة بأكملها وبكامل مؤسساتها الأمنية والعسكرية والحكومية والاستخباراتية تحت القانون، وبما أن أي قانون يحمل خصائص إلهية وينادي بالعدالة، فأكيد هلال كامل جعل من نفسه أمل للمظلومين وخوفا لظالمين، وبما أنه حينما ينادي بالفاسد يجد من يسمعه، استطاع أن يسجن وزير ومرشح لرئاسة، وكانت كل حروفه على الجرائد مثل السم القاتل، التي تخيف الحكام والأمن الوطني والحكومة.

 

إذا النسخة الخيالية من مسلسل عوالم خفية تجعلنا نطمئن ونفرح ونرحب بدولة القانون أينما كانت سنجعلها موطن لنا، لكن هناك نسخة أخرى ليست افتراضية وإنما هي إجبارية، بعنوان عوالم واقعية التي لو يكتب فيها الصحافي يسجن، ويطرد من عمله، ويشوه مستقبله، وتحرم عائلته من الراحة والاستقلال، ولو يكشف فيها الموظف فساد رؤسائه يموت، ولو يكشف المحامي ثغرات القانون ينفى ويعزل من منصبه، وكل من يحمل سيف الحق ضد الفاسد والباطل يلقى مصيره، لأنه سيكون جندي وحيد في مواجهة جيوش عظيمة من الفاسد، أو بالأحرى يكون نملة في مواجهة فيل ضخم، نحن بحاجة إلى عدالة عمر، وصدق أبو بكر، ورحمة عثمان، وشجاعة علي، راضون الله عليهم ولكن بما أن شخصية هلال كامل تجعلنا نرتاح نفسيا من، فهي تجعلنا مرضى وعاجزين ومجرد عاطلين على أن نكون مليار هلال كامل حقيقي وليس حروف جسدت على رواية خيالية، لهذا كل منا يكتب على ما ينقصه في الحياة الواقعية.

 

علينا أن لا نظلم الصحافة ونهاجم الصحافيين، إذا كانت لا توجد طبيعة واقعية مؤهلة، لا يوجد صحافي مؤهل لكشف الفاسد، لأن جرائد والقنوات في البلدان العربية تطبق عليها قواعد حكومية تتحكم فيها

 كتب الأمريكيون وأنتجوا أفلام ضخمة في غزو العراق وأفغانستان، ومازالوا ينتجون المسلسلات تلو الأخرى عن حكم العالم، وبالفعل وصلوا إلى غايتهم واستطاعوا أن يكونوا معادلة صعب كسرها أو حتى لمسها في الجوانب الأربعة من العالم، وكتب العرب عن العدالة والحق وزهق الباطل ودولة القانون، ونصر المظلوم، لأنها بالفعل أمور لا توجد في كل أقطار الدول الإسلامية والعربية، كتب العرب عن القوة والشجاعة والنصر والنخوة، لأنها لم تعد موجودة، رغم أن الأمريكيين بحثوا عن ما لم يكن موجود عندهم في تاريخهم، فأصبحوا قيادة ضخمة لا يوجد بلد في العالم، وإلا مسيطرين عليه اقتصاديا أو سياسيا، لكن العرب يكتبون عن أشياء صنع أجدادهم بها الأمجاد، دمروا بها عرش كسرى، و جعلوا من الروم مثل الكلاب الفارة التي تهرب من سيوفهم، لأنهم كانوا يحملون الشجاعة والثقة والحق ولم يكن الفاسد معشش بينهم، إذا الأمريكيين يبحثون عن ذاتهم عن طريق إرادة فولاذية ليس لها مثيل، ونحن نبحث عن ذاتنا بطريق الشوق والاشتياق إلى أيام الانتصارات وحكم المسلمين للعالم، هنا خلق فينا شق الضعفاء حينما حولنا حياتنا إلى عاطفة، واعتقدنا أن مستقبل هو زوجة يغمرها الحب، وتركنا مستقبلنا الصحيح وهو رضى الله وإعادة الكرامة للمسلمين بتفكير يغمره شعور الحرب، و هو ما سيجعل ملايين المشاهدات لشخصية هلال كامل تلهث وراء النهاية لقضايا الفاسد التي يحقق فيها، ولا تلهث وراء كلمة الرحمن. وعزة المسلمين والإسلام.

 
لذلك علينا أن لا نظلم الصحافة ونهاجم الصحافيين، إذا كانت لا توجد طبيعة واقعية مؤهلة، لا يوجد صحافي مؤهل لكشف الفاسد، لأن جرائد والقنوات في البلدان العربية تطبق عليها قواعد حكومية تتحكم فيها وفي دعمها المالي، لهذا ممكن خبر واحد يكون بمثابة إطلاق صفرة الإنذار لبداية العد التنازلي لإفلاس الجريدة أو القناة، وهذا هو السبب الحقيقي وراء كثرة الحوادث التي لم تنتهي في جرائدنا لحد الآن، بدون شيء ملموس احترافي أو موضوعي يكشف قضية من قضايا الفاسد، لهذا ممكن تكون المقابر تحتوي على أمثال هلال كامل، وليست الصفحات الأولى من الجريدة.

 
إن الحق في العالم العربي والإسلامي أصبح مجرد ديكور لقصر الخيانة، وأصبحت الخيانة ضرورة حتمية من أجل العيش، وفريضة قطاعية من أجل الاستمرار في العيش، ولو على حساب الدين والأعراف والتقاليد التي تركها أجدادنا، لم يعد البحث عن رضى الله هم كل مسلم، ولكن البحث عن تلبية الراغبات الشيطانية بقصد المتعة هو حديث كل مسلم إلا من رحم ربي، لهذا على المنادي إلى الصلاة والجنازة، أن ينادي من فوق كعبة الرحمان، يأهل المسلمين لقد مات الحق، ومات معه الصدق والإصلاح، والجنازة بعد صلاة العصر، حينها أنا متأكد أن نسبة صالحين القليلة الذين هم في طريق الانقراض وحدهم من سيحزنون على موت هذه الصفات التي خلقها الله فينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.