شعار قسم مدونات

في رحاب أهالي شهداء مسيرة العودة

مدونات - شهيد فلسطيني
قدر اللهُ لي أن أكونَ ضمن وفدٍ لزيارةِ أهالي شهداء مسيرة العودة في محافظة رفح، وهذا نهج قديم تسير عليه التنظيمات والمؤسسات الفلسطينية من باب الوفاء والتقدير لدور الشهداء في التضحية والفداء. كان نصيب رفح من الشهداء ما يقارب عشرين شهيدا أغلبهم دون سن العشرين ربيعاً، وهذا يعني أنهم في عرف القانون الرباني والقانون الوضعي "أطفال" وأن القلم لم يجرِ عليهم بعد لأنهم لم يبلغوا الحلم.

لكن جنود الاحتلال كان لهم رأي أخر، فهم لا يريدوا لهؤلاء الأطفال أن يكبروا ويصبحوا قادة أبطال فوجهوا بنادقهم تجاههم وأطلقوا منها رصاصات الغدر ليتنقلوا من عالم الظلم الى عالم العدالة ويكونوا شهداء على التخاذل العربي والدولي تجاههم. إن العبرة من زيارة بيوت أهالي الشهداء هي تحقيقاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ) رواه مسلم. ذهبنا لبيوت أهالي الشهداء لنرفع من عزيمتهم وهمتهم ونواسيهم في مصابهم الجلل، فإذا بنا نجد أناساً يحتسبون أمرهم لله، رضوا بما قسم الله لهم من فقدان الأحبة، فرحين بما أتاهم الله من فضله بأن اختار منهم شهداء ليشفعوا لهم في الاخرة يوم الموقف العظيم، فأخذنا منهم جرعات من شحذ الهمم وتقوية العزم.

دخلنا بيوت فوجدنا فيها جريح وشهيد، وبيوت قدمت أكثر من شهيد ، وبيوت قدمت أكثر من جريح، وعرفنا كم شعبنا عظيم لا يبالي بالجراحات ولا بفقدان الاحبة فهم على قناعة بأن " هذه فاتورة الدفاع عن الدين والوطن". سمعنا عن مناقب الشهداء ومميزاتهم الدينية والوطنية من ذويهم، حيث حدثنا والد الشهيد الطفل "هيثم الجمل" 14 عاما، الذي أطلق الجنود النار عليه وهو لم يغادر بعد ساحة الصلاة في ميدان العودة ، أنه كان طفلاً مميزاً من بين أولاده ملازماً للمسجد ويساعد الجميع، ويذهب كل يوم جمعة للمشاركة في مسيرة العودة.

ما وجدناه في نفوس اهالي الشهداء يعبر عن غالبية الشعب الفلسطيني الذي لا يبالي بتقديم الكثير من التضحيات من أجل الدين والوطن، وشعارهم "اللهم خذ من أموالنا وأنفسنا حتى ترضى"

الشهيد " ناجي غنيم" 23 عاما، أحد اعضاء "وحدة الكوشوك" في محافظة رفح، حدثنا شقيقه الجريح عنه (بأنه اصيب أكثر من مرة في المواجهات حتى أن إصابته التي كانت سبباً مباشراً لاستشهاده كانت في ظل عدم تشافيه تماما من اصابة سابقة لها، وهذا تأكيد على تغلغل حب الوطن في نفسه، وأكد أن المواجهات مستمرة، لكنه شقيقه همس همسة عتاب على قلة الاهتمام بالجرحى خاصة في جانب الرعاية الصحية، وهذا يرجع إلى ضعف امكانيات وزارة الصحة في غزة بسبب الحصار.

أما الشهيد هاشم عبد الفتاح كلاب "18 عاما، فقد قال والده: كنت أعلم أن ابني يعمل في تنظيم الجهاد الإسلامي، لكني لم أكن أعلم أن ابني بهذه الدرجة المتقدمة في الجناح العسكري حيث أنه لم يظهر منه أي شيء يشير لذلك. الشهيد هشام محمد عبد العال "22 عاماً" الذي ارتقى والده شهيدا عام 2001 بقصفٍ صهيوني، فقد قال عمه عنه " بأنه كان على قدرٍ عالٍ من الانضباط والالتزام الديني والوطني وكان ممن شاركوا بقصف المغتصبات الصهيونية عام 2014 وهو لم يكمل بعد 18 ربيعا. الشهيد علي خفاجة الذي استشهد يوم 14_5_2018 قد تزامن يوم استشهاده مع يوم ذكرى ميلاد والده، وقد جلست مع والده وكادت الدمعة تسقط من عينيه وهو يتحدث عن اللحظات الاخيرة معه حيث انه خرج يوم 14مايو في الصباح الباكر ورفع يديه مودعاً والده وأصحابه، وكأنه يشعر بأنه الوداع الاخير.

الشهيد يوسف ابو جزر15 عاماً والذي استشهد بعد اجتازه للسلك الزائل "إن شاء الله" وتم احتجاز جثمانه عند الصهاينة، فأنا شخصياً اشهدُ له بحسنِ الخلق باعتباره جاري في المنطقة التي اسكن فيها فقد كان ملتزماً بالصلاة في المسجد وخاصة الفجر. الشهيد "عبد الله الشمالي" هو نجل شهيد أيضا وقدر لله لي يوم إصابته رؤية والدته في المستشفى الأوربي أثناء زيارتي لأحد أقاربي الجرحى، رأيتها تبكي بحرقة لأن إصابته خطيرة جداً، وقد استقبلنا أهله استقبالاً جميلاً، وعبروا عن فخرهم بتقديم اثنين من أبناء العائلة شهداء.

ختاما: إن ما وجدناه في نفوس اهالي الشهداء يعبر عن غالبية الشعب الفلسطيني الذي لا يبالي بتقديم الكثير من التضحيات من أجل الدين والوطن، وشعارهم "اللهم خذ من أموالنا وأنفسنا حتى ترضى".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.