شعار قسم مدونات

إثيوبيا وضمد جروح الماضي.. سياسة تصالحية أم استعمار!

blogs إثيوبيا

تشهد منطقة القرن الإفريقي تغيرات سياسية جديدة في الآونة الاخيرة وذلك بعد مظاهرات مناهضة للحكومة الإثيوبية عمت البلاد خاصة مناطق قوميات الأورمية والأمهرية، أدت إلى استقالة حكومة حيلامريم ديسالين استجابة لمطالب المتظاهرين، وانتُخب رجل من أصول أورومية رئيسا للوزراء خلفا لديسالين، وهو أبي أحمد من أعضاء الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو، وهو رجل عسكري ومخابراتي، وتولى مناسب قيادية عالية في الحكومات السابقة.

إثيوبيا هي الدولة الإقليمة في منطقة شرق إفريقيا ولها سياساتها التأثيرية في المنطقة، واستضافتها مقر الاتحاد الإفريقي زاد ثقلها السياسي داخل الدول الإفريقية، وكونها حبيسة (ليس لها منفذ بحري) مع أنها أكبر مساحة وأكثر تعداد سكاني مقارنة بجيرانها، زاد ضغطها على الدول الساحلية المجاورة لها.

وهناك صراع لم يتوقف بين الصومال وإثيوبيا منذ استقلال الصومال حيث اندلع حرب بين البلدين بعد أربعة أعوام فقط من استقلال الصومال، فدعمت الولايات المتحدة إثيوبيا بالمال والسلاح، بينما وقفا الاتحاد السوفيتي والصين وراء الصومال وقدمتا له المال والسلاح، واستمر الحرب ثلاث سنوات وحصل هدوء لم يدم طويلا، في حين اشتعل الحرب من جديد أثناء الحكومة العسكرية في بلاد الصومال عام1977م، وقد حققت القوات الصومالية في بداية المعركة نجاحا كبيرا، لكن الاتحاد السوفيتي وحلفائه غيرت نتائج المعركة هذه المرة، وبدأت الكفة ترجح لصالح إثيوبيا.

وبعد انهيار الحكومة المركزية في الصومال كانت إثيوبيا من أكثر المستفيدين من سقوط الدولة الصومالية وتفتتها إلى عدة مقاطعات وكانت تمولها أمراء الحرب بالسلاح، حيث لم يعد أمامها خصم يمتلك جيشا قويا يطالب بحقوق تاريخية ويسلح جماعات تسعى لاسترداد حقوقها، واصحبت الصومال بهذه الحالة إلى أن تأسست المحاكم الاسلامية عام 2006م وبسطت نفوذها أغلب أرجاء الصومال، واستتب الامن والاستقرار، ولجأت إثيوبيا بالتدخل العسكري المباشر في الصومال لإطاحة المحاكم الاسلامية ذريعة أن المحاكم تهدد أمنها القومي، وبجانبها ساندت الحكومة الصومالية الانتقالية بقيادة عبد الله يوسف.

زيارة أبي أحمد العاصمة الصومالية مقديشو زادت زياراته نقلة نوعية، حيث وصل الطرفان الصومالي والاثيوبي حزمة من التفاهمات من بينها استثمارات مشتركة في أربعة موانئ بحرية صومالية

وبعد تولى أبي أحمد منصب رئيس الوزراء في إثيوبيا بدأ بزيارة أقاليم الإثيوبية لامتصاص حالة الاحتقان الشعبي في الداخل، وفي الصعيد الخارجي زار دولة جيبوتي والسودان، وكذلك مصر التي كانت غاضبة من بناء سد النهضة وتحتج بأنها تفقد حصتها في نهر النيل، وأبدى لها لهجة تصالحية، وكذلك خاطب لغة لينة تصالحية جارته اللدودة إريتريا وبدأ يحاول التوصل في اتفاق ينهي الحرب المستمر بين البلدين وخاصة الأراضي المتنازعة بينهم.

وقراءة لكل هذه التحركات نستنتج أن أبي أحمد رجل له تطلعات سياسية بعيدة في المنطقة، ويحاول ضمد جروح الماضي من التناحر ولغة السلاح مع دول الجوار واللجوء الى التفاهم الدبلوماسي لحل المشكلات القائمة بين الدول، ولكن المشكلة تكمن مدى جدية الطرف المبدي للّهجة التصالحية ومدى النجاح المثمر لها، ومدى قناعة الأطراف الاخرى بهذه اللهجة التصالحية.

وأن زيارة أبي أحمد العاصمة الصومالية مقديشو زادت زياراته نقلة نوعية، حيث وصل الطرفان الصومالي والاثيوبي حزمة من التفاهمات من بينها استثمارات مشتركة في أربعة موانئ بحرية صومالية والتي لم يعرب بعد، ولكن شكلت هذه التفاهمات الثنائية بين البلدين قلق في أوساط الشعب الصومالي وخاصة المثقفين، وأعربوا أن أبي أحمد يحاول الاستفراغ بالكعكعة الصومالية الغير المحمية، وأن سياساته الجديدة ليست تصالحية بل هي استعمار جديد يحاول سيطرة المنطقة بالتخفي على اللهجة التصالحية، للتوسع الى الساحل الصومالي بالهيمنة على الموانئ البحرية، ومن ثم سيطرة البلد كله وجعله إقليم تابع لإثيوبيا الأم باسم (إقليم الساحل الشرقي لإثيوبيا)، وبدأت إثيوبيا الخطة التنفيذية لهذا المشروع الكبير بتأسيسها قوات بحرية في الآونة الأخيرة ويكونون النواة الاساسي للقوات البحرية لإثيوبيا الكبيرة.

وأكد هذا الحلم الكبير الذي يروادها إثيوبيا -منذ استقلال إريتريا عنها بان تحصل إثيوبيا يوما ما منفذ بحري- في حديث أبي أحمد لشعبه بعد انتهاء زيارته في مقديشو وفصل كل مساعيه الحثيث لجعل إثيوبيا منطقة ذات قوة اقتصادية، وأعرب لهم أن الجانب الصومالي وافق خطته لجعل البلدين وطن واحد، حيث قال أنها ليس من المعقول وغير المقبول أن تكون إثيوبيا ذات التعداد السكاني الاكثر في المنطقة، فقيرة ومتسولة للعالم مع أنها جارة لوطن له ساحل طويل قد لا يرسو ساحلها سفينة تجارية واحدة في بعض الايام، لذا يجب الاستفادة بين البلدين للخروج من هذا الفقر المحدق الذي أصاب البلدين، وأن يتكاتفا بينهم بحيث يصبحون قوة اقتصادية وسكانية لا ينافسها أحد في المنطقة.

وبدأت الشكوك تراود أوساط الشعب الصومال بهذه الزيارة وما تحمل في طياتها من ألغاز، وأن المواطن الصومالي يشعر حساسية كل العلاقات الثنائية بين البلدين لأن الصومال فقدت قوتها التأثيرية في المنطقة بعد انهيار حكومتها المركزية قبل ربع قرن، وأن كل العلاقات الثنائية بين البلدين فإثيوبيا هي المسيطرة، وهي الآمرة والناهية في المنطقة ، ويكفيك دليلاَ ما إن أرادت شركة موانئ دبي العالمية (Dp World) توقيعها مع أرض الصومال لاستثمار ميناء بربرة لجأت إلى إثيوبيا وأعطت حصة 19 في المائة لتمرير هذه الاتفاقية، وهي إشارة واضحة لمدى القوة التأثيرية للدولة الإثيوبية في المنطقة الصومالية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.