شعار قسم مدونات

انتخابات 24 حزيران.. اكتمال ميلاد الجمهورية الثانية

مدونات - انتخابات تركيا 2018 أردوغان

قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بعد فوز حملة نعم باستفتاء 16 نيسان2017: "حسب نتائج الصناديق فقد فازت تركيا وفاز الشعب، هذه النتيجة بداية العهد الجديد"، وقال الرئيس رجب طيب أردوغان: "إن يوم 24 يونيو/حزيران، سيكون يوما يطوي فيه النسيان نظام الحكم القديم، وسياسة الحقبة القديمة.. إنّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجري في 24 حزيران الجاري، تعتبر مسألة سيادة ومستقبل بالنسبة لتركيا".

  
ما يجمع بين القولين أن العدالة والتنمية عازم على وضع نهاية لحقبة الجمهورية التركية الأولى بكل مخلفاتها وسلبياتها على الشعب التركي وتركيا، وفتح عهد الجمهورية الثانية ذات النظام الرئاسي القوي والمستقر والذي يضمن استمرار نهضة تركيا على ارضية سياسية ودستورية صلبة، تسهل اتخاذ القرار المناسب في وقت وجيز وبفاعلية أكبر تحقق مصالح تركيا وتدفع عنها أجندة التخريب والاستغلال والوصاية.
   

بداية العهد الجديد اتضحت معالمه بعد الانقلاب الفاشل ليلة 15 يوليو/تموز2016 بإقدام العدالة والتنمية على تعديل الدستور التركي وخوض معركة استفتاء عليه ونجاحه في ذلك، ثم انتظار نجاح عملية غصن الزيتون العسكرية، وقرب إتمام عدة مشاريع عملاقة (مطار اسطنبول الثالث)، واستمرار المعارضة في تركيزها على شخص أردوغان دون تقديم برنامج انتخابي بديل، وغياب قيادة سياسية تواجه أردوغان وحزبه، واستمرار الحرب المالية على العملة التركية، وانتشار اخبار الليكود العربي المتصهين ودوره في قضية صفقة القرن، واستمرار ترمب وإدارته في تغير معالم الشرق الأوسط عبر قرارت غير مسبوقة لا يرجى من ورائها إلا مزيد من تأزيم الأوضاع بالمنطقة ومزيد من التخلي على الحلفاء والأصدقاء من أجل عيون شعار "أمريكا أولا" وغيرها من الأحداث والوقائع التي تزيد من اشتعال حلقة النار حول تركيا، وتجعل محيطها في حالة لا استقرار الدائم.
   

حباب تركيا وأصدقائها والمعجبين بنهضتها وإنجازاتها ينتظرون نجاح تحالف الشعب ومرشحه، والمتربصون بتركيا عربا وعجما ينتظرون سقوط الخطر

هذه الظروف الداخلية والخارجية التي تمر بها تركيا أسهمت في قرار التعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فما بدأه حزب العدالة والتنمية في 16 نسيان 2017 من تعديل الدستور وإقرار النظام الرئاسي بدل البرلماني، استعجل إتمامه يوم 24 حزيران الجاري، قاطعا الطريق عن كل محاولات إجهاض حكم العدالة والتنمية طيلة 16 عاما، ومخططات عرقلة قطار النهضة التركية والمشاريع الكبرى ومسيرة التقدم التي عرفتها تركيا منذ وصول أردوغان وحزبه إلى الحكم.
 

من يوم إعلان نتائج استفتاء 16 نسيان إلى يوم إعلان تعجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية وقعت احداث كثيرة بينت بما لا شك فيه أن جواب هذا السؤال: هل سترضى القوى الإقليمية المتنافسة مع تركيا، والقوى الدولية التي اعتادت على أن تركيا دولتهم الوظيفية، بالدور والموقع الجديد الذي يسعى إليه القادة الأتراك بعد استفتاء 16 نسيان؟ تلك الأحداث أجبت جوابا واضحا ملخصه أن القوى الاقليمية والدولية ترفض الدور الجديد الذي تسعى إليه تركيا عبر سياستها الداخلية والخارجية القوية، ووجدت القوى الرافضة لمشروع ""تركيا الجديدة"" في المدة الفاصلة بين الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والنيابية (30 شهرا) الفرصة الاخيرة للقضاء على مشروع تركيا الجديدة، ومحاولة إرجاعها إلى مربع التبعية والوصاية والانقلابات.

   
لا شك أن النظام الرئاسي ودخوله حيز التنفيذ بشكل تام هو بداية تمرد تركي كامل على أوروبا والغرب وخطوة مهمة تقطع الطريق على الايدي الداخلية المتعاونة مع مراكز الوصاية الخارجية وسكين حاد لتمزيق العباءة الغربية، وفرصة ذهبية لاسترجاع الهوية التركية بجذورها الحضارية التي جعلت الأتراك في الماضي، شرطي العالم طيلة خمس قرون.

  
تركيا الجديدة بنظامها الرئاسي والمرشح الأوفر حظا "الطيب أردوغان" دفع قوى اقليمية ودولية إلى سلسلة من مخططات ومؤامرات الواضحة بداية من شيطنة حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان، ومحاولة زرع الفتنة بين قادته، وتقوية المعارضة عبر الدعم المادي والمعنوي والإعلامي من أجل السيطرة على الحكم، وتسلط المنظمات الحقوقية الدولية على تركيا ونبشها المستمر في ملف حقوق الإنسان بحق وبغير حق، ودعم أكراد الانفصال ومنظمة بي كا كا الإرهابية وفروعها، ومحاولة توريط تركيا في المستنقع السوري، واستدراجها في معترك الساحة العراقية، وصب الزيت على النار الخلاف التركي الروسي إثر إسقاط القوات الجوية التركية الطائرة الحربية الروسية.

   undefined

 

كما ومحاولة تسميم العلاقات التركية الإيرانية عبر الضغط على نقط الخلاف بينهما في الملف العراقي والسوري بالخصوص، وترسيخ فكرة أن تركيا أكبر دعم للمنظمات الإرهابية كداعش والنصرة في سوريا، وتصوير تركيا أحد داعمي ثورات الربيع العربي والمسؤولة عن ارتداداته على العالم العربي، وتشجيع المؤسسة العسكرية وخصوصا الجناح الكمالي منها على اسقاط حكومة العدالة والتنمية، ورعاية الانقلاب العسكري الخامس الفاشل، وزرع جيب انفصالي كردي جبوب تركيا وشن حرب مالية اقتصادية على العملة التركية، ومحاولة إفشال حملة "نعم" وتضيق عليها ونعتها بالخطوة الأخيرة لترسيخ الديكتاتورية بتركيا.. هذا المسلسل الطويل من المكر والتشويه والدعاية الكاذبة، غايته واحدة هي إفشال نهضة تركية المستقلة وإرجاعها لبيت الطاعة والتبعية "الدولة الوظيفية".

   
لذا فالتصويت في استحقاق 24 حزيران/يونيو هو تصويت على مصير دولة، مصير وطن، مصير علم، مصير أمة، مصير مستقبل تركيا الجديدة، فالبعد السيادي فيه واضح للقادة الاتراك ولخصومهم في الداخل والخارج. استحقاق يوم 24 حزيران/يونيو، استحقاق يختلف عن باقي الاستحقاقات الانتخابية الاثنا عشر التي عرفتها تركيا منذ 2002، فالسابقة تصويت على برامج انتخابية ورؤى سياسية ومشاريع اقتصادية، أما هذا فهو تصويت على مصير تضحيات قدمها الأتراك بداية من معركة "ملاذ كرد" مرورا بـ"مرج دابق" و"جناق قلعة" و"كوت العمارة" وآخرها "ليلة انقلاب 16 تموز2016".
   

أحباب تركيا وأصدقائها والمعجبين بنهضتها وإنجازاتها ينتظرون نجاح تحالف الشعب ومرشحه، والمتربصون بتركيا عربا وعجما ينتظرون سقوط الخطر كما جاء في مقال لصحيفة الغارديان البريطانية: "أردوغان خطر على تركيا وخطر على العالم". جواب الطيب أردوغان تركه لشعب التركي قائلا: "الشعب التركي سوف يعطي الجواب المناسب للغرب الذي ينتظر سقوطي". ننتظر من الشعب التركي وعيا رفيعا وجوابا راقيا يعلن اكتمال ميلاد الجمهورية التركية الثانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.