شعار قسم مدونات

خارطة الطريق التي وضعها لنا الله

blogs دعاء

لم يخلقنا الله عبثاً، وإنما خلقنا لتعمير الأرض وخلافته فيها، خلق الله الإنسان وهداه النجدين، فإما أن يسلك الطريق المستقيم وإما أن يسلك طريق الضالين، وهو في كلا الحالتين مخيّر. إذا أختار الإنسان أن يكون في الطريق المستقيم، فإن الله قد وضع له خارطة الطريق التي إذا استعان بها الإنسان.. يُسّرت أمورهُ في الدنيا، وضمن السعادة في الآخرة.

الخطة التي وضعها لنا الله مكونة من ثلاثة محاور رئيسية:

أولاً: قوله تعالي: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" عندما تحدث الله عن الرزق قال (فَامْشُوا) لم يقل اسرعوا أو سارعوا أو اسعوا، لأن الرزق لا يحتاج سوي التوكل علي الله والأخذ بالأسباب والسعي إليه، رزق كل إنسان مضمون له من قبل ولادته.. لن يأخذه غيره. الذي نراه الآن من التكالب على العمل والخوف من انقطاع مصدر الرزق ما هو إلا مرض في نفوس البشر وقِلة ثقة في الله عز وجل.. فهو الخالق مقسِّم الأرزاق لمن يشاء ويقدر. وكما قال النبي صلي الله عليه وسلم(لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا) فيكفي الإنسان التوكل علي الله والثقة في أنه لا ينسي عباده.

ثانياً: قوله تعالي (فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ) هنا عندما تحدث الله عن ذكره وعبادته قال (فَاسْعَوْا) ولم يقل فامشوا لأن العبادة هي ميدان السباق الحقيقي الذي يجب أن نسابق فيه، فهي مصدر خلاصنا وهي التي ستبقي لنا بعد موتنا، لن ينفعنا المال ولا المناصب وإنما العبادة وأعمالنا الصالحة هي التي ستُنجينا من عذاب الله يوم لا ينفع مالُ ولا بنون.. إلا من أتي الله بقلب سليم. وإذا أكملنا الآية سنري قوله تعالي (وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون) اتركوا أي عمل يلهيكم عن عبادة الله، فإن الله لا يبارك في عمل يُلهي عن عبادته، ذلكم خيرُ لكم.

عِش حياتك كما تشاء ولكن كُن حريصاً أن يكون وقتك معظمه في طاعة الله..لا تجعل الدنيا أكبر همك فإنها فانية، واجعل مبتغاك الآخرة واعمل لها بكل جهدك

ثالثاً: قوله تعالي (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)هنا تأتي المسارعة، المسارعة إلى تكبيرة الإحرام، المسارعة إلي أداء الفرائض، إلي الإخلاص، إلى التوبة من الربا، إلى الثبات في القتال، إلي نصرة دين الله، إلي إغاثة ملهوف، إلي كفالة يتيم، إلي الأمر بالمعروف، إلي إدخال السرور علي قلوب المسلمين…(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ). يقول تعالي: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) أي: خذوا المغفرة وخذوا الجنة بسرعة، لأنك لا تعرف كم ستبقى في الدنيا، إياك أن تؤجل عملًا من أعمال الدين أو عملا من أعمال البر لأنك لا تعرف أتبقى له أم لا.

 

فانتهز فرصة حياتك وخذ المغفرة وخذ الجنة، هذا هو المعنى الذي يأتي فيه الأثر الشائع: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا. الناس تفهمها فهمًا يؤدي مطلوباتهم النفسية بمعنى: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا: يعني اجمع الكثير من الدنيا كي يَكفيك حتى يوم القيامة، وليس هذا فهمًا صحيحًا لكن الصحيح هو أن ما فاتك من أمر الدنيا اليوم فاعتبر أنك ستعيش طويلًا وتأخذه غدًا، أمَّا أمر الآخرة فعليك أن تعجل به.

عِش حياتك كما تشاء ولكن كُن حريصاً أن يكون وقتك معظمه في طاعة الله..لا تجعل الدنيا أكبر همك فإنها فانية، واجعل مبتغاك الآخرة واعمل لها بكل جهدك وسابق في فعل الخيرات والبعد عن المنكرات، والعمل علي رفع كلمة الله سبحانه وتعالي.

أختم بقول علي بن أبي طالب..

النفس تبكى على الدنيا وقد علمت.. آن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها.. إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فان بناها بخير طاب مسكنها.. وان بناها بشر، خاب بانيها
أين الملوك التى كانت مسلطنه.. حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا: لذوى الميراث نجمعها.. ودورنا: لخراب الدهر نبنيها
كم من مدائن في الآفاق قد بليت.. أمست خرابا، وافنى الموت أهليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.