شعار قسم مدونات

لن أربي أبنائي!

blogs أم و لبنتها

التربية هي تمكين جذور التنشئة؛ ليخرج الأبناء متشبثين بسلوكيات سويّة قائمة كشجرة ثابتة في جميع جوانب الحياة الإيمانية، والخُلقية، والجسدية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، وغيرها…؛ لينعموا في الدنيا والآخرة. والتربية أمر مرهقٌ وعملية شاقّة تحتاج لكثير من الوقت والجهد والحرص فهي كحفر اسم حبيب على لؤلؤة صغيرة باهظة الثمن تخشى أن تخدش اللؤلؤة ولكنك تعظّم محبوبك. والتخلّي عن دور التربية من الأم أو الأب أو كليهما أشبه بقبطان جاحد لنعم رَبِّه؛ فقد أعطاه الله نعمًا يتمناها غيره فلما وصل لمنتصف البحر تخلّى عن السفينة والركاب فأضحوا غرقى في بحر شديد الظلمة، وَلَن أنكر أن يكون التخلي عن التربية أشدّ ظلمًا وجحودًا فهما لا يعرقلا سير أبنائهم فحسب بل سير أمة بأكملها.

وتكمن أهمية التربية في عدة أمور منها الاقتداء والتشبث بسيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فقد أذرف علينا من درر كلامه حين قال: (كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتِه، فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ في أهلِه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والمرأةُ في بيتِ زوجِها راعيةٌ، وهي مسؤولةٌ عن رعيتِها، والخادمُ في مالِ سيدِه راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه . قال: فسَمِعتُ هؤلاءِ من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأحسِبُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: والرجلُ في مالِ أبيه راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه) متفق عليه. وأصّل عليه السلام التربية فلم يجعلها منثورة فأمر بالرفق فقال: (ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه) صحيح. إنقاذ الأمة من ظلمة الجهل، وإنارة الكون صرف السوء والفحشاء عن نفس الأبناء صقل شخصيتهم؛ لتصل للمثل العليا.

 

إن أهمية التربية لا تُمكّنني أن أتخلّى عن تربية أبنائي ولكن تُمكّنني أن أتحلّى بأنني لن أربيهم على بعض المعتقدات الّتي لَوّثت كوننا وعمّ جهلها ليكون كنعيق الغراب في كل صباح. فلن أربي أبنائي على عبادة المعلَم (من علمني حرفًا كنت له عبدا) سأنقش لهم لوحة مزخرفة بأن العبادة لله وحده ولو كان هناك معلم يعبد لكان خير الورى محمد عليه السلام خير من يعبد، سأعلمهم أنّ احترام المعلم واجب وأنّ للمعلم فضل كبير؛ اقتداءً بقوله عليه السلام: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، إن الله عز وجل وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي وصححه الألباني.

سأزرع بهم حبّ القناعة وحمد الله؛ ولكنني لن أمد لهم أرجلهم على مقدار لحافهم سأعلّمهم كيف يزيدون كل يوم ولو مقدار أصبع على ذاك اللّحاف؛ ليمدّوا أرجلهم كاملة
سأزرع بهم حبّ القناعة وحمد الله؛ ولكنني لن أمد لهم أرجلهم على مقدار لحافهم سأعلّمهم كيف يزيدون كل يوم ولو مقدار أصبع على ذاك اللّحاف؛ ليمدّوا أرجلهم كاملة
 

اللامبالاة في رأي المرأة (شاور المرأة وخالفها).. سأعلمهم أن يقتاتوا من رأي المرأة كما يقتاتون الخبز ويشربونه كما يشربون الماء؛ ليكملوا حياتهم فقد حاك لنا الرسول أجمل لوحة منقوشة بمشاوراته للنساء ومنها عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: (قوموا فانحَرُوا ثم احْلِقُوا . قال: فواللهِ، ما قام منهم رجلٌ حتى قال ذلك ثلاثَ مراتٍ، فلما لم يَقُمْ منهم أحدٌ دخَلَ على أمِّ سَلَمَةَ، فذَكَرَ لها ما لَقِيَ مِن الناسِ، فقالت أمُّ سَلَمَةَ: يا نبيَّ اللهِ، أَتَحُبُّ ذلك، اخرُجْ لا تُكَلِّمْ أحدًا منهم كلمةً، حتى تَنْحَرَ بُدْنَك، وتَدْعُوَ حالقَك فيَحْلِقَكَ. فخَرَجَ فلم يُكَلِّمْ أحدًا منهم حتى فعَلَ ذلك، نحَرَ بُدْنَه، ودعا حالقَه فحَلَقَه، فلما رأَوْا ذلك قاموا فنَحَرُوا وجعَلَ بعضُهم يَحْلِقُ بعضًا) رواه البخاري.

الرضا بما لا يليق بالأمة (امش جنب الحيط وقول يا رب السترة).. فكيف يسترون أنفسهم بما يفضح أمتهم؟ وبما يستترون؟ بعباءة الذل والهوان وأين هم من قوله عليه السلام: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم. فعليه أن يحاول مرارًا وتكرارًا من أجل الوصول حتى لا يكون ضَعِيفًا فَلَو غيره بقلبه كان أضعف الإيمان فما حاله لو مشي جنب الحائط؟

القناعة بما لا يكاد يذكر.. سأزرع بهم حبّ القناعة وحمد الله؛ ولكنني لن أمد لهم أرجلهم على مقدار لحافهم سأعلّمهم كيف يزيدون كل يوم ولو مقدار أصبع على ذاك اللّحاف؛ ليمدّوا أرجلهم كاملة، وأن يصطادوا العصافير العشرة التي تركن على الشجرة ولا يتشبثوا بواحد؛ فعصفور باليد ليس بأفضل من عشرة على الشجرة.

المساواة بين الرجل والمرأة.. كيف لهم أن يتساويا ولكل حقوق وواجبات لا تقارن فقد قال عزّ وجلّ: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) آل عمران: ٣٦، ولا أنكر أنهما يلتقيان في بعض الأمور. التربية أشبه بسماء تتسع كل جمال تُزيّنها كلمات ساطعة وأسلوب مضيء يُبعث من أفواه زكية.. فربي أبناءك كما أُمرت لا كما رأيت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.