شعار قسم مدونات

حين تتحكم العواطف بمصير الشعوب!

مدونات - السيسي
مخطئ من يظن أن السياسة تخلو من الانفعالات والزلات متكئاً على حقيقة أن السياسي هو الأقدر على ضبط سلوكياته وتقرير المناسب منها، وامتلاكه للقدرة على ضبط جماح نفسه بصورة محكمة جداً، إلا إن واقع السياسة الدولية يظهر لنا خلاف ذلك في كثير من الحوادث التي وسمت التاريخ في الماضي والحاضر، ومن ذلك ما تفوهت به ماري أنطوانيت حيال متظاهري الثورة الفرنسية، في مقولة خلدها التاريخ "فليأكلوا البسكويت" ومن ذلك ما قام به الرئيس السوفيتي خرتشوف في الحادثة الشهيرة في العام 1960 عندما رد على المندوب الفلبيني من خلال خلع حذاءه، والتلويح به ثم ضرب به منضدة الأمم المتحدة، أما الصحفي العراقي منتظر الزيدي فلم يكتف بالتلويح بحذاءه، بل قام بقذفه تجاه الرئيس الأمريكي في المؤتمر الصحفي المنعقد في ديسمبر عام 2008.

 

ومن ذلك التصريح الشهير للملك حسين حيال محاولة إسرائيل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل "تعرض أحد أبناءنا لمحاولة آثمة استهدفت حياته، وعولج الأمر بما استحق" وانفعال السادات ضمن مقولته الشهيرة "إن كنتم نور، فأنا أنور، وإن كنتم سادة فأنا سادات "وانفعال حسني مبارك حين أبدى امتعاضه من ارتفاع معدلات المواليد لدى أبناء شعبه، فقال مخاطباً لهم " ما أنتوا بتزيدوا نجيب منين " وطالت الانفعالات أبرز القيادات الثورية السياسية ممثلة بالرئيس ياسر عرفات في مقر مقاطعته في رام الله ؛ حينها قال " يريدوني إما أسيراً أو إما طريداً وإما قتيلا، لا أنا بقولهم شهيداً شهيداً شهيداً شهيداً".

 

الرئيس المصري السيسي، فينافس على المركز الأول في الانفعالات السياسية في الواقع السياسي العربي الحالي، ولعله يتجاوز القذافي في انفعالاته المتكررة ومنها" والله العظيم أنا لو ينفع أتباع لتباع"

وفي نفس سياق الانفعال السياسي يأتي ما قاله بوش في مطلع العام 2003 حيال المقاومة العراقية التاريخية في مدينة الفلوجة مهددا "يجب محو الفلوجة بالسلاح النووي" وفي تسعينيات القرن الماضي اشتهرت مقولة الرئيس العراقي صدام حسين، حين توعد بحرق نصف إسرائيل في حالة لم ترتدع واستمرت متجاوزة حدودها، ضمن جملة مختصرة طارت في الآفاق " والله لنخلي النار تأكل نص إسرائيل إذا هي حاولت على العراق " وترتب على هذه المقولة فصل طويل من أحداث العراق في العشرية التي تلتها، والتي لا زالت دول الخليج تعاني من تبعات سياساتها التي مزقت الوحدة الخليجية، وساهمت في استمرار التوتر السياسي لسنوات عديدة، ولعل الكثيرين لا زالوا يذكرون إبان أزمة الكويت ما ورد في ذلك السياق على لسان أمير الكويت في مقولته بعيد احتلال الكويت حين قال "لا مانع في التحالف مع الشيطان في سبيل عودة الكويت".
 
وفي المغرب العربي نستذكر انفعال الرئيس التونسي قبيل مغادرة بلاده نحو جده، فجاء تصريحه، لقد فهمت مطالب التونسيين "فهمتكوا فهمتكوا"، والانفعال الشديد الذي أظهره القذافي حين استهجن فرضيات المعارضة بأنه هرب نحو فنزويلا، فقال "أنا أروح لفنزويلا والله هذا أخرتها" ووسم معارضيه والثوار الراغبين في إنهاء حكمه بأنهم مدمني مخدارت وطالب بملاحقتهم زنقة زنقة دار دار، وصرح بعيد ذلك طالبا من رؤساء القارة الأفريقية الوقوف معه "أنا قائد أممي، معي الملايين"، وجاء هذه الانفعالات جراء فقدانه لإيمانه بالقومية العربية، وانقلب إيمانه بها إلى حدود صفرية جراء عدة مواقف صادمة تعرض لها من البلدان العربية، ونذكر كيف أن انفعالاته- وهو النموذج الأكبر في إطارنا العربي للقائد المدمن على الانفعالات السياسية المتكررة والتي كان يلتمس لها عذرا في كونه القائد الروحي والفكري لا السياسي للجان الثورية لثورة الفاتح – تسببت في نفي الجالية الفلسطينية في ليبيا خارج الحدود الليبية قريباً من الحدود المصرية.

 
وجاءت تصريحات الرئيس السوري في العام 2014 حين قال :"وعندما نتحدث عن عشرات الآلاف من الإرهابيين فيعني خلف هؤلاء الإرهابيين هناك حاضنة اجتماعية، هناك عائلة هناك قريب، هناك جار، هناك صديق، هناك أشخاص يعني نحن نتحدث عن مئات الآلاف وربما الملايين من السوريين ولو كان مليون نقول ملايين " وانعكست تلك السياسات بنتائجها على الحديث عن الفرز الاجتماعي ومخرجاته، مما ترتب عليه الانحياز للطائفية في شتى صورها، وهو ما يتضح لنا الآن في تأملنا لكافة تفاصيل المشهد السوري.

 

انفعالات رئيس كوريا الشمالية المتكررة التي وصلت إلى الحد الذي وصف فيه الرئيس الكوري ترمب بأنه
انفعالات رئيس كوريا الشمالية المتكررة التي وصلت إلى الحد الذي وصف فيه الرئيس الكوري ترمب بأنه "رجل تويتر الأشقر"

 

أما الرئيس المصري السيسي، فينافس على المركز الأول في الانفعالات السياسية في الواقع السياسي العربي الحالي، ولعله يتجاوز القذافي في انفعالاته المتكررة ومنها" والله العظيم أنا لو ينفع أتباع لتباع" و"قسماً بالله اللي هيقرب لأشيله من فوق وش الأرض" وتحدث عن القوة الغاشمة في شبه جزيرة سيناء، مطالباً الجيش بعدم التهاون واستخدام القوة الغاشمة، وبالعودة للمغرب العربي فقد وصلت العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر إلى حدود غير مقبولة في كثير من الحالات، وتم قطع العلاقات من جراء قضية جبهة البوليساريو، وترتب على هذا سيل متواصل من التصريحات النارية الانفعالية، وفي بلاد الشام جاء تصريح العاهل الأردني عبد الله بن الحسين يوم أن وسم البعض من المتنفذين "بأنهم ديناصورات" تأكل الأخضر واليابس.

 

كما أن الأردن في خضم العواصف السياسية التي مرت به، عانى من موجات الهجرة المتواصلة إليه، من عدة بلدان حصل فيها انتكاسات سياسية كالعراق وسوريا؛ وبناء عليه صدرت عن الدولة سياسات اقتصادية جديدة في إطار ترشيد الإنفاق الحكومي وكذا الحال في السعودية وبالأخص حملة الاعتقالات الواسعة التي شملت الجميع، أما أزمة الحصار الخليجي لدولة قطر، فقد تفاعلت كثيراً، وساهمت السعودية والإمارات في الدفع بها نحو حدود اللاعودة، وتبني خيارات سياسية انفعالية كثيرة أرغمت الولايات المتحدة على الإسراع في تبني خيارات الحل السلمي لأصدقاء اليوم والأمس للوصول لحلول خاصة تنهي التأزم الخليجي.

 
أما انفعالات رئيس كوريا الشمالية العديدة المتكررة التي وصلت إلى الحد الذي وصف فيه الرئيس الكوري ترمب بأنه "رجل تويتر الأشقر" أما ترمب فقد وصفه "برجل الصواريخ"، ومن تلك المواقف الانفعالية التي ترسخت في الوعي. ما نطق به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعيد مشاركته في منتدى دافوس، وتلفظه بعدة كلمات تتعلق بالمواقف الاسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية فقال " حين يتعلق الأمر بالقتل أنتم تعرفون جيداً كيف تقتلون، وأنا أعرف جيداً كيف قتلتم أطفالاً على الشواطئ".

 

وختاماً: هل لاحظت أخي القارئ أن الانفعالات السياسية في الأغلب الأعم تصدر عن قيادات عسكرية، أو قيادات قادمة من خلفيات عسكرية، على النقيض من القيادات المدنية التي تتقن فن السياسة إلى حد بعيد؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.