تكمن قيمة دراسة واستعراض فكر د. علاء الدين آل رشي في كونه يمثل حالة استمزاج بين التدين الوسطي وشرعة حقوق الإنسان وينحو في توجهاته انفتاح من غير ذوبان وتمسك بقيم الهوية من غير تعنت؛ وهو يفصل بين الإسلام في نصوصه وبين السياسة في تجلياتها وبين التاريخ وسلطته وبين السلطة وتاريخها؛ ويدعو إلى كف يد الدولة عن الدين وعدم تحويله إلى ملاك للدولة أو أن تعمل الدولة على تأميم الدين.

 

ﻇﻞ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻋﻬﺪﺍً ﻃﻮﻳﻼً أﺳﻴﺮﺍً ﻟﺮﻭﺍﺳﺐ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﺸﻜﻠﺖ ﻭﺳﻂ ﺭﻛﺎﻡ ﻛﺜﻴﻒ ﻣﻦ ﺍلاﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺗﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺗﺴﻠﻞ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻮﺍﻓﺪﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎً ﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺳﺮﺑﺖ ﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻤﻠﻚ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻂ ﺑﻌﺪ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺮﺷﺪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻗﺪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻧﻤﻮﺫﺟﻬﺎ ﺍﻷﻣﺜﻞ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻦ ‏(ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ‏)؛ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺰﺝ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺘﻪ ﺑﻴﻦ أﻃﻴﺎﻑ ﻣﻦ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻭﺳﺎﺩ ﺟﻮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﻓﻀﻢ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﻣﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻭﻳﻬﻮﺩ ﻭﻧﺼﺎﺭﻯ ﻭﻭﺛﻨﻴﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨْﻈﻤﻪ ﻭﺛﺎﺋﻖ ﺩﺳﺘﻮﺭﻳﺔ ﺗﻌﺎﻗَﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﻞ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻭﺻﻴﺎً ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻞ ﻇﻠﻮﺍ ﻳﻤﺎﺭﺳﻮﻥ ﺷﻌﺎﺋﺮﻫﻢ ﻛﻞٌ ﺑﻤﺎ ﺃﻣﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺤﻠﺘﻪ ﻭﻋﻘﻴﺪﺗﻪ.

ﻧﺘﻨﺎﻭﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ اﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﻭﻣﺠﺎﻫﺪﺍﺕ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﻼﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻝ ﺭﺷﻲ ﻭﻓﻜﺮﻩ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﻇﻬﻴﺮ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﺸﺮﻕ ﻭﻇﻬﻴﺮ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻗﺎﺗﻢ. ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻈﻬﻴﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻕ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ ﺁﻝ ﺭﺷﻲ ‏(ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ) ﻛﻨﻤﻮﺫﺝ ﺣﻤﻞ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺘﻌﺎﻗﺪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻄﻮﻳﺮﻩ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻟﻈﻬﻴﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﻘﺎﺗﻢ ‏(اﻧﺤﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻦ ﻗﻴﻤﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎً ) ﻭﻫﺬﺍ ﺍاﻧﺤﺮﺍﻑ ﻛﺎﻣﻦ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﻩ ﻋﺪه:

بين القران حسبما يذكر د. آل رشي سمات الحكم الرئيسة وليس شكله وقيامه حسبما يرى د. آل رشي على:
1- سلطة الجماعة (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) وبهذا ينفي (دولة الأسرة والعشيرة).

2- لا مواطن صغير فسيادة الأمة على الحاكم هي الأصل؛ والحاكم حارس لا حابس للمجتمع.
3- السياسة لا تمثل الدين ولا تستطيع الهيمنة عليه؛ وقيم الدين فوق الفعل السياسي.
4- الفقه الدستوري يعتمد على مصلحة الشعوب وليس على مزاج الحكام.

لكن الملاحظ تاريخيا اﺳﺘﻴﺮﺍﺩ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻌﻀﻮﺩ ﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻡ. ﻟﻘﺪ ﻧﺸﺄﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻳﻮﻡ ﻧﺸﺄﺕ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻢ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺭﺍﺷﺪﺓ ﺧﻠّﺪﻫﺎ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻬﺮﺓ، ﺗﺘﻤﺜﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻴﻢ أﻭ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺸﻨﻘﻴﻄﻲ ‏(أﻣﻬﺎﺕ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ)، ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺑﺴﻂ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻟﻠﺒﺸﺮ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼﻑ أﻟﻮﺍﻧﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﻣﺸﺎﺭﺑﻬﻢ، ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻛﻔﺎﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻧﻀﺎﻟﻪ ﺇﻻ ﻟﻴﺰﻳﻞ ﻳﺪ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺒﺎﻃﺸﺔ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ ﻟﻴﺠﻌﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻟﻠﻘﻴﻢ ﻻ ﻟاﺳﺘﺒﺪﺍﺩ، ﻭﻳﺴﺤﺐ ﺑﺴﺎﻁ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻳﺪ أﻫﻮﺍﺀ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻭأهﻮﺍﺀ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻫﻮﻯ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﻭﻫﻮﻯ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﻭﻳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻟﻠﻘﻴﻢ، ﻟﻜﻦ ﻭﺑﻌﺪ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﺓ ﺑﺪﺃ ﻧﻤﻂ ﺍلاﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻳﺘﺴﺮﺏ ﻟﻴﺄﻛﻞ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﻓﻲ ﺟﺴﺪ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎسية ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﺓ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﺟﺰﺀﺍً ﻗﺎﺗﻤﺎً ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻫﻲ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻨﻘﺪ ﻭﻓﻴﻬﺎ ﺭﺻﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻧﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﻭﻧﺼﻮﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻧﻜﺴﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻻ ﺯﻟﻨﺎ ﻧﺪﻓﻊ ﺃﺛﻤﺎﻧﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺛﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ.

ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺁﻝ ﺭﺷﻲ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﻘﻠﻴﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ، ﻭﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺘﻴﻦ ﻇﻠﺖ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻋﺮﻗﻠﺘﺎ ﻋﺠﻠﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﺳﺒﺐ ﻓﻲ ﺗﻌﻤﻴﻖ ﺟﺮﺍﺡ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺣﺸﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ، ﻭﻫﻤﺎ ‏(ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺗﻨﻔﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ) ﻭ‏(ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺗﻘﺪّﺱ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ‏). ﻳﺮﻯ ﺁﻝ ﺭﺷﻲ ﻓﻲ ﻓﻜﺮﻩ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺍﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺑﺘﺮ ﺍﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﻓﻞ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪﺓ ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ ﺍﻟﻨﻀﺮﺓ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻭﻻ ﺯﺍﻝ ﻟﻬﺎ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺃﺷﻮﺍﻕ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻧﺤﻮ ﻧﻤﻮﺫﺝ ﻳﺆﺳﺲ ﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻗﻴﻤﻬﺎ ﻭﺇﺭﺛﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ.

 

ﻭﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺃﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺗﺼﻮﻳﺐ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀﻫﺎ ﻭﺗﺠﺎﻭﺯ ﻣﺎ ﺣﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻮﺍﺋﺐ ﺗﻤﻠﻴﻬﺎ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺳﻮﺍﺀً ﻓﻲ ﻛﺴﺒﻬﻢ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﺑﺘﻌﺎﺩﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﻗﻴﻢ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻨﺠﻢ ﺛﺮﻱ ﻳﺤﺮﺽ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﻘﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺷﻌﻮﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﻴﻞ، ﻣﺘﻤﺜﻠﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﻓﻲ ﺩﺳﺎﺗﻴﺮ ﺗﻨﻈُﻢ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻣﺸﺎﺭﺑﻬﺎ ﻭﻧِﺤﻠﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺃﻃﺮ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ، ﻭﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺃﻧﻬﺎ ﺇﻟﺤﺎﻕ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء 107).

ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﻼﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺁﻝ ﺭﺷﻲ ﺃﻥ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻱ ﺃﻭ ﺗﻘﻠﺼﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺔ ﻟﻪ ﺁﺛﺮ ﺟﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺘﻔﻜﻚ ﻭﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻏﺮِﻗﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﺇﻻ ﻧﺘﺎﺟﺎً ﻟﻐﻴﺎﺏ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻱ ﻭﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻤﻠّﺺٌ ﻣﻦ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻊ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺑﺸﺘﻰ أﻟﻮﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻷﻧﻪ ﻳﺆﺳﺲ ﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺣﺮﻳﺘﻪ ﻭﻛﺮﺍﻣﺘﻪ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻳﺔ ﻭﺣﻠﻬﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻔﻀﻲ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮﺓ ﺗﺘﻮﺍﻗﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻘﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻺﺳﻼﻡ.

ﺇﻥ ﺗﻀﺨﻢ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻹﻗﺼﺎﺀ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﻲ أﻭ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻣﻨﻬﺠﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪ، ﻭﺇﻥ ﻭُﺟﺪ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻻ ﺯﺍﻝ ﺍﻹﻗﺼﺎﺀ ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻨﻪ ﺑﺮﻳﺌﺔ ﻧﺰﻳﻬﺔ، ﻭﻣﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﺩﻭﻝ ﺍﻹﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻛﻨﻒ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﻜﻚ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻭﺗﺬﻭﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻴﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻧﻔﺴﻪ.

ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻟَﻘَﺪْ ﺃَﺭْﺳَﻠْﻨَﺎ ﺭُﺳُﻠَﻨَﺎ ﺑِﺎﻟْﺒَﻴِّﻨَﺎﺕِ ﻭَﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎ ﻣَﻌَﻬُﻢُ ﺍﻟْﻜِﺘَﺎﺏَ ﻭَﺍﻟْﻤِﻴﺰَﺍﻥَ ﻟِﻴَﻘُﻮﻡَ ﺍﻟﻨَّﺎﺱُ ﺑِﺎﻟْﻘِﺴْﻂِ ۖﻭَﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎ ﺍﻟْﺤَﺪِﻳﺪَ ﻓِﻴﻪِ ﺑَﺄْﺱٌ ﺷَﺪِﻳﺪٌ ﻭَﻣَﻨَﺎﻓِﻊُ ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ ﻭَﻟِﻴَﻌْﻠَﻢَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻣَﻦ ﻳَﻨﺼُﺮُﻩُ ﻭَﺭُﺳُﻠَﻪُ ﺑِﺎﻟْﻐَﻴْﺐِ ۚﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻗَﻮِﻱٌّ ﻋَﺰِﻳﺰٌ" ‏(25 ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ).

ﻳﻜﺮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺁﻝ ﺭﺷﻲ ﻣﻘﻮﻟﺘﻪ ﺍﻟﻈﺮﻳﻔﺔ: "ﺻﻨﻔﺎﻥ ﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﻣﻌﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻟﻘﻰ ﺍﻟﻠﻪ (ﻣﺎﻓﻴﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ؛ ﻭﺗﺠﺎﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ)". ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﻄﺮﻑ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺘﻄﺮﻑ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻳﻐﺬﻳﺎﻥ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ، ﻭﻛﻼﻫﻤﺎ ﻧﺎﺟﻢ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﺼﺐ ﻭﺍلاﺣﺘﻘﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻮﺍﺋﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ، ﻓﺎﻟﻤﺘﻄﺮﻑ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻻ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﻻ ﻳﻨﺰﻝ ﺇﻟﻴﻪ ﻟﻴﺨﻮﺽ ﻣﻌﺮﻛﺘﻪ ﺑﻞ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﻨﺺ ﻣﺜﺎﻟﻲ ﻭﻳﻬﺎﺟﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺋﻪ ﺩﻭﻥ ﻓﻬﻢ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺘﻄﺮﻑ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﻓﻴﺮﻯ ﺇﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻪ ﻭﻛﻼ ﺍﻟﻨﻤﻄﻴﻦ ﺗﻄﺮﻑ ﻳﺄﻛﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻭﻳﻨﺨﺮ ﻓﻲ ﺟﺴﺪﻫﺎ.

ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮ ﻟﻲ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺁﻝ ﺭﺷﻲ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻗﻮﻟﻪ: ﻭﻟﺬﻟﻚ أﺭﻯ أﻥ ﺍﻟﺴﻤﺔ ﺍلأﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴّﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ:
1- ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳُﺶ ﻭﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﻷﻫﻠﻲ.
2- ﺗﻜﺮﻳﺲ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﻑ ﻻ ﺍﻟﺘﺪﺍﺑﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ.
3- ﺇﺩﻣﺎﺝ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺍﻷﻫﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺜّﻘﺎﻓﺔ، ﺑﻞ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺇﻛﺴﺎﺏ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻓﻜﺮﺍً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﺣﻮﻝ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺿﻤﻦ ﺗﻌﺪُّﺩ ﻭﺗﻨﻮُّﻉ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﺧﺘﻼﻑ ﻣﺸﺎﺭﺑﻬﺎ ﻭﻫﻮﻳّﺎﺗﻬﺎ.
4- ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺪُّﺩ ﻭﺍﻟﺘﻨﻮُّﻉ ﻣﺼﺪﺭ ﺛﺮﺍﺀ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺍﺕ.