شعار قسم مدونات

كيف تساهم التكنولوجيا في انتشار الاكتئاب؟

blogs حزن

أعلنت منظّمة الصحّة العالمية أنّ الاكتئاب الّذي تعرّفه بحالة من الحزن المستمرّ وفقدان الاهتمام بالأنشطة الّتي يتمتّع بها النّاس عادة قد ارتفع عدد المصابين به بنسبة 18 في المائة في عامين منذ 2015، وقد قدّرت عدد المصابين بالمرض حينها بنحو 322 مليون شخص في العالم ممّا يجعل الاكتئاب السّبب الرّئيسي لسوء الصحّة والإعاقة في جميع أنحاء العالم وتقدّر المنظّمة التّكاليف المرتبطة بالإصابة بالاكتئاب بنحو 1 تريليون دولار سنويا.

 

أمّا الاتّحاد العالمي للأطباّء النفسيين فيصنّف مرض الاكتئاب كثاني أخطر مرض في العالم ويقدّر عدد المصابين به بنحو 300 مليون شخص كما ينبّه إلى أنّ نسبة الأشخاص المنتحرين بسببه قد زادت بنسبة 500 في المائة في العشرية الأخيرة (ينتحر سنويّا مليون شخص أي بمعدّل شخص كلّ 28 ثانية).

هو إذا مرض خطير، منتشر، معقّد ومكلّف بشريّا ومادّيا ويبدو أنّ الخطط المتّبعة للحدّ من خطورته وانتشاره ليست ناجعة بالحدّ الكافي ليتحوّل إلى "غول" نهم شرس يفترس الذّوات ويحوّلها إلى أشلاء وحطام، وباء يهدّد الجميع ولا يستثني أحدا في ظلّ عالم متوحّش معولم يزداد توحّشا. فكيف السّبيل إلى كبح جماحه والحدّ من انتشاره وما هي طرق علاجه والوقاية منه؟

أعراض مرض الاكتئاب:
يجب التمييز بين مرض الاكتئاب ومتلازمة الاكتئاب الّتي يمكن أن تصاحب أمراضا عضوية أو نفسيّة أخرى ويمكن أن يكون الاكتئاب  مقنّعا في شكل قلق حادّ أو عمليّات تحويل وسلوكيّات هروب

هي جسدية ونفسية وأهمّها:
* الشّعور بالحزن الشّديد والفراغ العميق.
* العصبيّة الشديدة مع التوتّر والقلق.
* اضطراب في الشّهية والنّوم زيادة أو نقصانا.
* التّعب الشّديد، الخمول، التباطؤ في الحركة وعدم الرّغبة في العمل أو أيّ نشاط بدني مع انخفاض مستوى الطّاقة.
* مشاكل في التركيز، الانتباه وصعوبة في اتّخاذ أيّ قرار.
* مشاكل في الجهاز الهضمي كالغثيان والإمساك أو الإسهال.
* الصّداع وآلام الظّهر.
* شعور بعدم التقدير الذّاتي وبالكره الذّاتي (حسب التحليل النفسي فانّ المكتئب يعيش حالة فراق للانا كحالة الفراق للأحبّة حين نفقدهم).
* شعور مبالغ فيه بالذّنب مع جلد الذّات.
* بروز أفكار الانتحار وإيذاء الذّات.

أنواع الاكتئاب وأسبابه:

يمكن تقسيم الاكتئاب إلى ثلاثة أنواع:

*الاكتئاب العابر: وهو ردّ فعل قصير المدى على حادث معيّن ما يفتأ أن يزول مع مرور الوقت (وجود سبب خارجي).
* الاكتئاب المزمن الخفيف: قد يأتي بدون أسباب وبشكل دوري ولكنّه خفيف الأثر ويمكن التّعامل معه.
* الاكتئاب الحاد العظيم: وهو أخطر أنواع الاكتئاب وأكثره تدميرا ،يدفع للانتحار والقتل ويحوّل حياة المصاب إلى حطام.

مع العلم بأنّه يجب التمييز بين مرض الاكتئاب ومتلازمة الاكتئاب الّتي يمكن أن تصاحب أمراضا عضوية أو نفسيّة أخرى كما يجب الإشارة إلى أنّ الاكتئاب يمكن أن يكون مقنّعا في شكل قلق حادّ أو عمليّات تحويل وسلوكيّات هروب (كالإدمان على الكحول أو المخدّرات أو وسائل الاتّصال الاجتماعي). أمّا عن أسباب الاكتئاب فلم يقع إلى حدّ الآن التوصّل إلى تحديد أسباب دقيقة واضحة وتبقى المسألة مجرّد فرضيات بين البيولوجية والتحليلية النفسية.

أكثر من 22 في المائة من المراهقين يسجّلون دخولهم أكثر من 10 مرّات في اليوم الواحد إلى مواقع التّواصل الاجتماعي وهم يتعرّضون إلى تجارب سلبيّة ومحتويات غير لائقة
أكثر من 22 في المائة من المراهقين يسجّلون دخولهم أكثر من 10 مرّات في اليوم الواحد إلى مواقع التّواصل الاجتماعي وهم يتعرّضون إلى تجارب سلبيّة ومحتويات غير لائقة
 
أسباب الاكتئاب:

* العوامل البيوكيميائية: انخفاض في نسب النّيوترانزامينات كالسّيروتونين والدّوبامين والنّورادرينالين والاستيلكولين والكلوماطاط والكابا (ناقلات عصبيّة) مع ضعف حجم الجهاز الحوفي بالدّماغ وبالخصوص الهيبوكمب.

* العوامل البيئية والظّروف المعيشية الصّعبة: والتعرّض لمواقف ضاغطة وغالبا ما يبرز الاكتئاب جليّا على إثر التعرّض إلى حادث مؤلم أو فراق شخص عزيز أو حدوث حالات طلاق أو التعرّض لمشكلة اقتصادية خانقة كالإفلاس أو العجز عن تسديد النّفقات والدّيون.

* العوامل الوراثية: احتمالية الإصابة بالمرض تزداد مع وجود أقارب مصابين به خصوصا إذا ما كان أحد الوالدين.

* السنّ: غالبا ما يتعرّض البالغون لمرض الاكتئاب مع تصاعد نسبة المصابين من الفئات العمرية المتدنّية (المراهقين) وقد يكون للتكنولوجيات الحديثة ووسائل الاتّصال الاجتماعي دور كبير في ذلك.

* الجنس: المرأة هي أكثر تعرّضا للاكتئاب بنسب تتراوح بين 15 في المائة و25 في المائة في حين يتعرّض الرّجل للمرض بنسب تتراوح بين10 في المائة و15 في المائة.

ما هو دور التكنولوجيات الحديثة ووسائل الاتّصال الاجتماعي في انتشار مرض الاكتئاب؟
يبدو أنّ العلاقة بين الاكتئاب وفرط استعمال الهواتف الذّكية وووسائل الاتّصال الاجتماعي هي ارتباطيه في الاتّجاهين في شكل حلقة مفرغة

يبدو أنّ التّناسب طردي بين استخدام الهواتف الذّكية ووسائل الاتّصال الاجتماعي وخطر الاكتئاب، هذا ما أثبتته الدّراسات الّتي أجريت مؤخّرا، ففي دراسة بجامعة "بينسيون" أجريت في 2016 وقع إثبات أنّ العلاقة بين زيادة وقت استخدام فيسبوك ووسائل الاتّصال الاجتماعي الأخرى من جهة واحتمال التعرّض للاكتئاب من جهة أخرى هي علاقة تناسب طردية (استبيان شمل عيّنة من 1787 شخص في الولايات المتّحدة الأمريكية أعمارهم تتراوح بين19 و39 سنة).

وفي دراسة أخرى أجراها باحثون استراليون مؤخّرا تبيّن أنّ المراهقين الّذين يستخدمون هواتفهم المحمولة ليلا يعانون قلّة في النّوم وهم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب (الدراسة شملت عيّنة من 1101 شخصا أعمارهم تتراوح بين 13 و16 سنة) أمّا في دراسة ثالثة قام بها البروفيسور أليخاندروا ليراس الأستاذ في علم النّفس فقد استنتج أنّ هناك تاريخ طويل بين تغيير نماط المعيشة لدى النّاس بسبب التكنولوجيات الحديثة (بدأت مع التلفزيون وألعاب الفيديو وآخرها الهواتف الذّكية)(الدراسة شملت عيّنة من 300 طالب كان المدمنون منهم على الهواتف الذّكية أكثر عرضة لمستويات عالية من الاكتئاب والقلق).

ونستعرض أخيرا دراسة أجرتها أكاديمية طبّ الأطفال الأمريكية استنتجت أنّ أكثر من 22 في المائة من المراهقين يسجّلون دخولهم أكثر من 10 مرّات في اليوم الواحد إلى مواقع التّواصل الاجتماعي وهم يتعرّضون إلى تجارب سلبيّة ومحتويات غير لائقة وغير خاضعة للرّقابة قد تؤدّي لانجرافهم إلى تجارب خطيرة لتعاطي المخدّرات أو لسلوكيّات منحرفة زيادة على تعرّضهم لمحاولات التحيّل والابتزاز، ولعلّ لعبة الحوت الأزرق الّتي كانت سببا في انتحار العديدين تمثّل أفضل مثال، إلى جانب المحتويات المتضمّنة لمشاهد القتل أو الانتحار على المباشر أو الدّافعة لذلك أو النّاشرة لليأس والأفكار السلبية والهدّامة دون نسيان دور الأفلام الإباحية في تدمير الصحّة الجسدية والعقلية للأفراد. ويبدو أنّ العلاقة بين الاكتئاب وفرط استعمال الهواتف الذّكية وووسائل الاتّصال الاجتماعي هي ارتباطيه في الاتّجاهين في شكل حلقة مفرغة.

من النّصائح الّتي من المفيد الأخذ بها لكسر هذه الدّائرة المفرغة:

* فكّ العزلة الافتراضية والاقتراب من أشخاص نعرفهم في الواقع.
* تعطيل الإشعارات على الهواتف النّقالة ومحاولة استعمالها للضّرورة فقط.
* أن لا يسمح بالدّخول إلى مواقع التّواصل للأبناء بأكثر من 60 دقيقة في اليوم.
* فرض وقاية على استخدام الأطفال لمواقع التّواصل الاجتماعي ،مراقبتهم وإن لزم الأمر منعهم مع إيجاد البدائل.

خلاصة يتّضح أنّ مرض الاكتئاب صار خطيرا جدّا ومتفشّيا بشكل وبائي خصوصا مع الانهيار القيمي الّذي يشهده العالم في ظلّ نظام التوحّش المعولم وانتشار التكنولوجيات الحديثة ووسائل الاتّصال الاجتماعي وعلى الجميع الانتباه وتكثيف الجهود للوقاية منه للحدّ من تبعاته وانتشاره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.