شعار قسم مدونات

لا تربطي حياتك بشخص وإن ملك قلبك!

blogs - woman

حدثتني صديقتي أنها لا تستطيع أن تتخذ قراراً في أي أمر دون استشارة أمها، وأنها لا تخرج لشراء ملابسها إلا مع صديقةٍ لها، وأخرى لا تستطيع الخروج من بيتها دون زوجها، وأخرى لا تستطيع التلذذ بطعام خارج بيتها دون أبنائها، والكثير الكثير من هذه الأحاديث. تلك الأحداث أثارت اندهاشي، وتبادر إلى ذهني سؤال طرحته على نفسي قبل الآخرين، لماذا نربط حياتنا بأشخاص، نعتقد أنهم سبب السعادة الوحيد لنا، وأنهمْ أصحاب الرأي السديد دائماً، ثم تبعته بسؤال آخر، ماذا لو فقد أحدنا ذلك الشخص؟! ماذا لو تلكَ الأم توفاها الله، وذاك الزوج سافرَ بعيداً، وتلك الصديقة افترقتِ عنها بعد خلاف، ربما ستتسرعين في إجابتك، وتقولين بكل عفوية" بعيد الشر، لا لن يحدث ذلك إن شاء الله".

لحظة سيدتي، أُريد إجابتكِ أكثر نُضجاً، تمهّلي قليلاً، واستمعي معي لتلك الأحداث ومن ثم أجيبيني. أم تعيش أجمل لحظاتها مع أبنائها، الكُل يشهد بجمال علاقتهما، صداقةٌ رائعة، لا تخرج الأم دون أبناءها، تستأنس بهم وبسهراتهم معها، تأخذ برأيهم، تمر السنوات ويتخذ الابن شريكة حياةٍ له، ينتقل معها إلى بيتِ الزوجية، وتتزوج ابنتها لتذهب إلى بيت زوجها، وهنا اتسعت رقعة الفراغ في حياة الأم، كانتَ تربط كُل حياتهم بهم، وقد وجد الأبناء شريكاً آخراً في حياتهم، وهذا أمرٌ طبيعي. وهنا زوجة لا تخرج من بيتها الا برفقة زوجها، فهو الحبيب والصديق والأخ، اقتصرتْ في كل استشاراتها عليه، انقطعتْ عن صديقاتها، عائلتها لا تجتمعُ معهم إلا في مناسباتٍ معينة، فجأة يضطر الزوج للسفر خلال عمله منفرداً، يتخيل لزوجته أنه لن يقبل وسيعتذرُ عن ذلك، وتنصدم أنّه لم يفعل ما كانت تأمله، ليقبل السفر وتجد نفسها وحيدةً .

كثيرٌ منا يخطئ في تكوين العلاقات، ويندمج في علاقته مع الآخرين حد الذوبان، فإن ذهبوا أصبحنا تائهي الدروب في هذه الحياة، نُحاول أن نبحث عن أنفسنا وسط الزحام، لكن السر في كُل ذلك والعلاج الناجع لأي علاقة، أن نتعامل على أننا شخصان وليس شخصٌ واحد، هُنا تأتي الفائدة من التشبيه المشهور "العلاقات بين البشر كالسيارات، لا بد من ترك مسافة بينها كي لا تصطدم ببعضها"، لذلك لابد من ترك مسافة بيننا وبين الآخرين، بعض العلاقات أشبه بالقيد أحياناً، لا تستطيع الخلاص منها، لأنّهم يتتبعونك بكل تصرفٍ وحركة، وينتقدون ويقتحمون حياتك دون استئذان، والحجة "المحبّة".

حينما يصيبنا مكروه نهرع للأصدقاء ونظن أنهم طوق النجاة لنا، وقد يرفضون لقائنا ببساطة لأنهم بشر، لكن لقائنا مع الله لا يتطلب تحديد زمان أو مكان
حينما يصيبنا مكروه نهرع للأصدقاء ونظن أنهم طوق النجاة لنا، وقد يرفضون لقائنا ببساطة لأنهم بشر، لكن لقائنا مع الله لا يتطلب تحديد زمان أو مكان
 

لذلك، حاولي أن تجعلي الجميع يسعى لبناء علاقة معك لما يرى منك من لطف في المعاملة، لكن عليك أن تختاري نوع العلاقة ومساحتها بنفسك، ومهما كانت العلاقة قوية أهمس لك "اتركي مسافة". مسافة مع الزوج، لأنكما شخصان ولكلٍ منكما عالمه الخاص، كمن ركب أرجوحته يقترب من غيره في سعادة، وقبل الاصطدام يعود لوضع مسافةٍ ثابتة، فلا يحدث التصادم. مسافة مع أولادك، لا تشعريهم أنك تعرفين كل شيء عنهم، لربما كانوا بالنسبة لك كتاب مفتوح، لكن دعيهم يحتالون عليك ويشكلون عالمهم الخاص، لتتشكل معه شخصية قوية لا تتحطم أمام صعوبات الحياة. كل العلاقات لها مميزات وعيوب، وأنت وحدك من تستطيعين وضع الحدود لعلاقاتك، لا تخسري أحداً ولا تجعلي أحداً يفرض نفسه عليك، حدثي نفسك دائما "سأُسعد نفسي مع الجميع ولن أربط حياتي بأحد".

همسة أخيرة: هناك علاقة لا تترددي في قطع كل المسافات وإزالة كافة الحواجز لتكون علاقة مفتوحة ألا وهي علاقتك مع الله، حينما يصيبنا مكروه نهرع للأصدقاء ونظن أنهم طوق النجاة لنا، وقد يرفضون لقائنا ببساطة لأنهم بشر، لكن لقائنا مع الله لا يتطلب تحديد زمان أو مكان فقط يتطلب بضع قطرات من الماء للوضوء وسجدة طويلة تتحقق فيها الأمنيات التي يستحيل على بني البشر تحقيقها، وصدق القائل "لا تشكو للناس جرحاً أنت صاحبه لا يؤلم الجرح إلا من به ألم"، وتذكري أن "أسعدي نفسك بنفسك ولا تربطي حياتك بأحد وإن ملك حبه قلبك".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.