شعار قسم مدونات

سلسلة منهج النبي في التربية والمجتمع

blogs - 117-7-main!

كانت المرحلة الأولى لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال هي مرحلة الدعاء لهم وهم في أصلاب آبائهم، وبعدها ستأتي أهم مرحلة في التربية وهي مرحلة تأسيس الأسرة السليمة، التي تستطيع أن تحتضن الطفل وتقوم بتربيته بشكل صحيح ومستقيم، فنستطيع أن نطلق على هذه الفترة مرحلة الإعداد والتأسيس لأسرة مسلمة قادرة على بناء إنسان يتحلى بأخلاق الإسلام ويتعايش مع كل الأمم وكافة المجتمعات، ويكون قادراً على النهوض بالأمة بدلاً من أن يكون عبئاً عليها.

   

أكد الرسول الأعظم على اختيار الزوج كما أكد على اختيار الزوجة، لأن الزوج والزوجة شركاء في بناء الاسرة وكلٌ منهما ركن في التربية

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلِم ضرورة تأسيس الأسرة في المجتمع بشكل صحيح؛ لتكون رافداً للأمة بجيل يرتقي بها ويحافظ عليها وعلى رسالتها ودعوتها، فاهتم عليه الصلاة والسلام اهتماماً بالغاً في اختيار الزوجين الذين هما عمادا الأسرة فإن صلحا صلحت الأسرة وإن فسدا فسدت، فلقد أمر الرجال أن يتخيروا لنطفهم لأن العرق دساس وأرشدهم إلى الحرث الصالح الذي ينبتون به أولادهم، فلقد ورد في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "تُنْكَح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، أي وإلا خسرت والتصقت يداك بالتراب وهذا مثلٌ كانت تقوله العرب لمن خاب وخسر.

   

وورد في حديث آخر أنه عليه الصلاة والسلام قال "إياكم وخضراء الدِمن، فقيل يا رسول الله وما خضراء الدِمن، فقال: المرأة الحسناء في المنبت السوء" ففي الحديث الأول جاء الأمر باختيار صاحبة الخلق والدين على بقية الأوصاف، ولا شك بأن ذلك عند التزاحم ولكن إن جُمِعت الأوصافُ كلها في امرأة واحدة فهذا خير عظيم، ونلاحظ في الحديث الثاني التحذير من المرأة الحسناء التي لم تنشأ على الاستقامة لما في ذلك من خطر على الأولاد والأسرة والمجتمع، وبالمقابل أكد الرسول الأعظم على اختيار الزوج كما أكد على اختيار الزوجة، لأن الزوج والزوجة شركاء في بناء الاسرة وكلٌ منهما ركن في التربية، فإما أن يكونا قابضين على معولين وكل واحد منهما يهدم الأسرة من جهته، أو يضعا أساس البناء الصحيح معاً ويُكَوِّنا أسرةً نموذجيةً مترابطة تستحق أن تنال لقب الأسرة المسلمة.

  
وبعد أن وضحنا الإرشاد النبوي في طريقة انتقاء الزوجة، جاء الآن وقت بيان التوجيه من بيت النبوة في كيفية اختيار الزوج مثلما أشرنا آنفاً، لقد ورد عن رسول الله أنه قال "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" إذا نظرنا إلى الحديث بتمعن نجد فيه الإشارة إلى التربية السيئة واضحةً كوضوح الشمس في رابعة النهار، وذلك عندما قال إن لم تزوجوا صاحب الدين والخلق ستكون هناك فتنة عظيمة في المجتمع، وكيف يكون ذلك إلا من خلال التربية الخاطئة للولد، وأيضاً للزوجة من خلال توجيهه ومعاملته لها، فإن كانت سيئةً زاد السوءَ سوءً وإن كانت صالحةً قد يكون سبباً في هدمها وتفكيك أخلاقها، لذلك حثنا الشرع بأن نقدم صاحب الخلق والدين على سواه من الرجال حتى على أبناء الملوك إن لم يكونوا صالحين، لما في ذلك من خير كبير للأمة والمجتمع والأسرة.

     
وبعد التوضيح في السرد السابق أصبح واضحاً جلياً لدينا كيف اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأسيس الأسرة وبنائها من خلال اختيار الزوجين؛ لينتج بعد ذلك برنامج تربوي أسري شامل تشارك فيه المرأة والرجل على حد سواء، فإن التزمنا بتوجيهات رسول الله وتجاوزنا هذه المرحلة التأسيسية في إنشاء الأسرة بنجاح؛ ستكون المراحل القادمة في التربية غايةً في السهولة، وإن لم نفعل سنكون قد وضعنا حجر الأساس للأسرة على شفا جرفٍ هارٍ لينهار بنا إلى وادي المجتمعات الساقطة الهابطة، ونكون قد شاركنا في سقوط أمة بأكملها لأن البناء إن اختلت بها لَبِنة واحدة فَقَدَ ترابطَه وقد تكون بداية النهاية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.