شعار قسم مدونات

عائلة عبد الرسول.. وآثار الدير البحري!

مدونات - عائلة عبد الرسول

سرقة آثار مصر وكنوزها، والاعتداء على المقابر الأثرية ونهبها؛ موضوع قديم بقدم الآثار نفسها؛ وهناك قصص وروايات توثق لنا ذلك، ولذا فقد حرص المصري القديم علي الحفاظ على مقبرته والإبقاء عليها في حالة جيدة وذلك لإيمانه بالحياة الأبدية الخالدة ما بعد الموت‏، وعمل على تأمينها بكل الطرق التي توهم أنها لن تتيح للصوص المقابر الوصول إليها والعبث بها؛ ولكن هيهات فقد استطاع محترفو السرقات الوصول إلى العديد من تلك المقابر ونهبها، وخاصة مع بداية حكم الأسرة العشرين؛ حين تبعثرت ونُهبت مومياوات العديد من الملوك والكهنة في البر الغربى بالأقصر؛ رغم أن هذا المكان كأن أكثر أماناً في الحفاظ على مقابرهم التي ظلوا يدفنون فيه موتاهم لمدة 400 عام كاملة.

 

 وقد ظهرت تلك السرقات بوضوح خلال عهدي "رمسيس العاشر" و"رمسيس الحادي عشر"، هذا بالرغم من أيدي اللصوص لم تستطع الوصول لمقبرة "توت عنخ أمون" التي اكتشفها "هوارد كارتر" سنة 1922 وكذلك مقبرة الملكة "أع حتب" أم الملك أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر والتي اكتشفها "مرييت باشا" سنة 1859. وقد دفعت تلك السرقات الممنهجة، بملوك الأسرة الحادية والعشرين إلى محاولة ايقاف هذا الأمر الخطير، فقاموا -وعلى يد الكاهن الأكبر لآمون المدعو "بانجم" وأولاده- بتجميع مومياوات الفراعنة السابقين وكبار الكهنة وتخبئتها في مقبرة بالقرب من معبد الملكة "حتشبسوت" بالدير البحري بالأقصر.

 
وظلت هذه الخبيئة في مكانها منذ ذلك الحين؛ لم تصل إليها يد اللصوص حتى عام 1871م؛ حينما تمكنت إحدى الأسر الصعيدية بقرية "القرنة" غرب الأقصر، من الوصول إليها؛ فقد استطاعت عائلة "عبد الرسول" -المكونة من ثلاثة أخوة- من الوصول إلى الخبيئة؛ واكتشاف سرها، وقد تفاجأ الأشقاء الثلاثة بهذا الكنز الضخم، فتواعدوا أن يظل هذا الأمر سراً بينهم، وترددوا على الخبيئة في فترات متباعدة حتى لا ينكشف أمرهم؛ لدرجة أنهم لم يدخلوا المكان إلا ثلاث مرات خلال عشر سنوات، وبالرغم من ذلك استطاعوا من خلال تلك المرات القليلة أن يبيعوا الكثير من تلك المومياوات والبرديات ومتعلقات الملوك؛ لهواة وتجار الآثار الأجانب، فبدأت تظهر تلك الآثار في أسواق أوروبا، مما لفت أنظار الكثير من الأجانب لتلك الآثار وخاصة تلك البرديات الهامة، حتى المسئولين المصريين بدأوا يشعروا بهذا الأمر أيضاً؛ وأوصلتهم تحريات إلى أن مصدر خروج هذه الآثار الملكية والبرديات هو أحد أفراد عائلة "عبد الرسول" الذي كان يشغل في حينها وظيفة "وكيل قنصل انجلترا" بمدينة الأقصر، وبالفعل تم القبض على "عبد الرسول" ولكن لم يستطيعوا أن يُجبروه على الاعتراف رغم كل التهديدات التي تعرض لها.

 undefined

 
ولما استطاع هذا الأخ الخروج من التحقيقات سالماً؛ استبد به الطمع فطالب أخويه بأن يكون له نصف الخبيئة وحده، وعندما رفض أخواه هذا الرأي دب الشقاق بينهم؛ وحينها ذهب أحدهم المدعو "محمد عبد الرسول" لمقابلة حاكم إقليم "قنا" وأبدى استعداده للإرشاد عن الخبيئة، وبالفعل أخبرهم بالمكان الذي انتقل إليه بعد ذلك رجال الأمن برفقة رجال الآثار وذلك في عام 1881م، ففوجئوا بالخبيئة التي كانت لا تزال تحوي العشرات من التوابيت، والمومياوات، والأثاث الجنائزي الخاص بعدد من الملوك والكهنة، فقد عثروا على 153 تابوتاً، إلى جانب العديد من الصناديق التي احتوت على تماثيل الخدم "الأوشابتي"، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من البرديات النادرة.

 

وقد كان من بين تلك المومياوات التي تم العثور عليها مومياوات لملوك عظام حكموا مصر مثل: "سقنن رع"، "أحمس"، "تحوتمس الثالث"، "أمنحوتب الثاني"، "أمنحوتب الثالث"، "سيتي الأول"، "رمسيس الثاني"، وغيرهم، هذا فضلاً عن مومياوات لبعض ملكات وأميرات مصرية؛ وهي مومياوات معروضة بالمتحف المصري حالياً، وعلى الرغم من الترتيبات الأمنية الضخمة التي تم إعدادها أثناء إخراج ما تبقى من محتويات الخبيئة؛ إلا أن هناك صندوق بداخله خمسون تمثالاً من الخزف المطلي بالأزرق تم سرقته واخفاءه في تلك اللحظة!
______________________________________________________________________________________________________
المراجع:
1 – هذه الخبيئة، أطلق عليها بعد ذلك المقبرة 320 بالدير البحري بالبر الغربي لنهر النيل بطيبة "الأقصر حالياً"، وقد ضمت المومياوات والتجهيزات الجنائزية لأكثر من خمسين شخصية فرعونية عالية المقام ما بين ملوك وملكات وأمراء ونبلاء من أسرات مختلفة تناوبت على حكم مصر>
2 – كان الدبلوماسيون الأوربيون المقيمون بمصر خلال تلك الفترة أكثر من غيرهم حماسة في جمع الآثار المصرية ونقلها إلى بلادهم ؛ فقد كانت أعباؤهم الوظيفية لا تزال هينة، وكان جمع الآثار بالنسبة لهم هواية وعملا اضافياً مربحا. 
3 – زكية يوسف طبوزادة، تاريخ مصر القديم من أفول الدولة الوسطى إلى نهاية الأسرات، القاهرة 2008.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.